ثم قال عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ يعني: قد أرسلنا قَبْلِكَ يا محمد رُسُلاً فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ أي: في أمم وقرون الأولين قبل أمتك وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي: كانوا يسخرون منهم كما سخر منك قومك كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ قرأ بعضهم نَسْلُكُهُ بضم النون، وكسر اللام. وقراءة العامة: بنصب النون، وضم اللام. وهما لغتان. يقال: سلكت الخيط في الإبرة، إذا أدخلته فيها. ومعناه: هكذا ندخل الإضلال في قلوب المجرمين أي: المشركين عقوبة ومجازاة لكفرهم. ويقال: معناه هكذا نطبع على قلوب المجرمين. ويقال: نجعل حلاوة التكذيب بالعذاب. ويقال: للشرك في قلوب المشركين الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ يعني: لا يصدقون بالله. ويقال: بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ويقال:
بالعذاب إنه غير نازل بهم. وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أي: مضت بالعذاب عند التكذيب.
ويقال: تقدمت سيرة الأولين بالهلاك.
قوله عز وجل: وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ أي: فصاروا يصعدون فيه وينزلون، يعني: الملائكة، ويراهم المشركون، وهم أهل مكة لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا يقول: أخذت، وأغشيت أبصارنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ أي: ولقالوا سحرنا فلا نبصر. وروى قتادة عن ابن عباس أنه قال: «لو فتح الله عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السماء، فظلت الملائكة يعرجون فيه لقالوا: أخذت أبصارنا» . قرأ ابن كثير سُكِّرَتْ بالتخفيف. وهكذا قرأ الحسن.
وقرأ الباقون بالتشديد. وقال القتبي: سُكِّرَتْ بالتشديد أي: غُشِّيَتْ. ومنه يقال: سُكِّر النهر إذا سدّ، ومنه إذا أسكر الشراب وهو الغطاء على العقل. ومن قرأ سُكِّرَتْ بالتخفيف أي:
سحرت، يعني: إنهم لا يعتبرون به، كما لم يعتبروا بانشقاق القمر حين رأوه معاينة.
سورة الحجر (١٥) : الآيات ١٦ الى ٢١
وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠)
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١)
ثمّ قال: وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً أي: نجوماً. ويقال: هي القصور في السماء.
وقال الضحاك وسعيد بن المسيب ومجاهد: «هي النجوم» وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ أي: زينا السماء بالكواكب لمن نظر إليها وَحَفِظْناها يعني: السماء مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ أي: مرجوم، ويقال: ملعون مبعد من الرحمة إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ أي: لكن من اختلس السمع خلسة