الكلبي: نزلت في ستة نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أسرهم أهل مكة، وذكر هؤلاء الأربعة، واثنين آخرين: عابس وجبير مولى لقريش، فجعلوا يعذبونهم ليردوهم عن الإسلام.
فأما صهيب فابتاع نفسه بماله ورجع إلى المدينة، وأما سائر أصحابه فقالوا بعض ما أرادوا، ثم هاجروا إلى المدينة بعد ذلك.
سورة النحل (١٦) : الآيات ٤٣ الى ٤٧
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧)
ثم قال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ كما أوحي إليك. وذلك أن مشركي قريش لما بلغهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الرسالة، ودعاهم إلى عبادة الله تعالى، أنكروا ذلك وقالوا:
لن يبعث الله رجلاً إلينا، ولو أراد الله أن يبعث إلينا رسولاً، لبعث إلينا من الملائكة الذين عنده، فنزل وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلى الأمم الماضية إِلَّا رِجالًا مثلك نُوحِي إِلَيْهِمْ كما نوحي إليك. قرأ عاصم في رواية حفص: نُوحِي بالنون وقرأ الباقون: بالياء.
قوله عز وجل: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أي: أهل التوراة والإنجيل إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ذلك بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وفي الآية تقديم وتأخير. أي: وما أرسلنا من قبلك إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ بالبينات، والزبر. وروى أسباط عن السدي قال: البينات: الحلال والحرام.
وَالزُّبُرِ: كتب الأنبياء. وقال الكلبي: بِالْبَيِّناتِ أي: بالآيات الحلال والحرام والأمر والنهي ما كانوا يأتون به قومهم منها، وهو كتاب النبوة. ويقال: بِالْبَيِّناتِ التي كانت تأتي بها الأنبياء مثل عصا موسى وناقة صالح. وقال مقاتل: وَالزُّبُرِ يعني: حديث الكتب.
ثم قال: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ يعني: القرآن لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ لتقرأ للناس مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ أي: ما أمروا به في الكتاب وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ يتفكروا فيه، ليؤمنوا به.
ثم خوّفهم فقال: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أي: أشركوا بالله أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ يعني: أن تغور الأرض بهم، حتى يدخلوا فيها إلى الأرض السفلى أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ أي: من حيث لا يعلمون بهلاكهم. أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ أي: في سفرهم، في ذهابهم، ومجيئهم في تجارتهم فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أي: بفائتين أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ أي: على تنقص. ويقال: يأخذ قرية بالعذاب، ويترك أخرى قريبةً منها فيخوفها بمثل ذلك. وهذا قول مقاتل. وروى عن بعض التابعين: أن عمر سأل جلساءه عن قوله: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فقالوا: ما نرى إلا عند بعض ما يرون من الآيات يخوفهم، فقال عمر: