الكذاب. سلوه عن أصحاب الكهف، أي: قصوا عليه أمرهم، وسلوه عن ذي القرنين أن كان ملكاً وكان أمره كذا وكذا، وسلوه عن الروح، فإن أخبركم عن قليل أو كثير فهو كاذب، ففرحوا بذلك. فلما رجعوا وأخبروا أبا جهل، ففرح وأتوه فقال أبو جهل: إنا سائلوك عن ثلاث خصال، فسألوه عن ذلك، فقال لهم: «ارجعوا غداً أخبركم» ولم يقل: إن شاء الله. فرجعوا ولم ينزل عليه جبريل إلى ثلاثة أيام وفي رواية الكلبي: إلى خمسة عشر يوماً «١» ، وفي رواية الضحاك: إلى أربعين يوماً، فجعلت قريش تقول: يزعم محمد أنه يخبرنا غداً بما سألناه، وقد مضى كذا وكذا يوماً. فشق ذلك على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم أتاه جبريل، فقال لجبريل: «لقد علمت ما سألني عنه قومي، فلم أبطأت علي؟» فقال: أنا عبد مثلك وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ مريم: ٦٤ وقال: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ الكهف: ٢٣- ٢٤ . وكان المشركون يقولون: إن ربه قد ودعه وأبغضه، فنزل: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى الضحى: ٣ ونزل: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً. فلما قرأ عليهم، قالوا: هذان ساحران، يعني: محمداً وموسى عليهما السلام ولم يصدقوه. وقوله:
عَجَباً يقول هم عجب، وأمرهم أعجب، وغيرهم مما خلقت أعجب منهم: الشمس والقمر والجبال والسموات والأرض أعجب منهم.
ثم بيَّن أمرهم، فقال تعالى: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ، أي صاروا إِليه وجعلوه مأواهم. والفتية: جمع فتى، غلام وغلمة، وصبي وصبية. فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، أي ثبتنا على الإسلام. وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً، أي هب لنا من أمرنا مخرجا.
سورة الكهف (١٨) : الآيات ١١ الى ١٣
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣)
قوله تعالى: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ، أي أنمناهم وألقينا عليهم النوم وقال الزجاج:
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ أي: منعناهم أن يسمعوا، لأن النائم إذا سمع انتبه. فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ويراد بذكر العدد التأكيد، لأن الكثير يحتاج أن يعد، وإنما صار نصباً لأنه مصدر.
قال ابن عباس في حديث أصحاب الكهف أنه قال: «إن مدينة كانت بالروم ظهر عليها ملك من الملوك يقال له دقيانوس، غلب على مدينتهم وأرضهم، وكانت المدينة تسمى أفسوس، فجعل يدعوهم إلى عبادة الأوثان ويقتلهم على ذلك، فمن كفر بالله واتبع دينه تركه.
فهدى الله شاباً من أهل تلك المدينة إلى دين الإسلام، فجعل يدعوهم سراً حتى تابعه على ذلك سبعة أغلمة، ففطن لهم الملك، فأرسل إليهم وأخذهم ودفعهم إلى آبائهم يحفظونهم حتى يرسل
(١) عزاه السيوطي: ٥/ ٣٣٧ إلى ابن جرير وابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.