وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا، أي منزلاً. وقال مقاتل: الْفِرْدَوْسِ بلغة الروم البساتين عليها الحيطان، وقال السدي: الأعناب بالنبطية. وروى الحسن، عن سمرة بن جندب قال: «الفردوس ربوة خضراء من الجنة هي أعلاها وأحسنها» . وقال الكلبي: جنات الفردوس من أدنى الجنان منزلاً. وروى أبو أمامة الباهلي قال: «الفردوس سرة الجنة» ، أي أوسطها. خالِدِينَ فِيها، أي دائمين فيها. لاَ يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا، أي تحولاً رضوا بها وبثوابها. وقال بعض المفسرين: تمام النعمة أنهم لا يتمنون التحول لأنهم لو تمنوا التحول عنها لتنغّص النعم عليهم.
سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٠٩ الى ١١٠
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠)
قوله تعالى: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي وذلك أن اليهود قالوا: يزعم محمد أن من أوتي الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كثيراً، ثم يزعم ويقول: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا الإسراء: ٨٥ فكيف نوافق الخير الكثير مع العلم القليل؟ فنزل: قل يا محمد: لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي يكتب به، لَنَفِدَ الْبَحْرُ وتكسرت الأقلام، قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي أي لا تنفد كلمات ربي. كما قال في آية أخرى: مَّا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ لقمان: ٢٧ . وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً، أي بمثل البحر. وقرأ بعضهم: وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مِدَاداً. وقراءة العامة مَدَداً ومعناهما واحد وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً البقرة: ٢٦٩ وهو قليل عند علم الله تعالى.
قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ، أي من يخاف البعث بعد الموت. فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً، أي: خالصاً فيما بينه وبين الله تعالى، وَلا يُشْرِكْ أي لا يخلط ولا يرائي بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً. وقال سعيد بن جبير فَمَنْ كانَ يَرْجُوا، أي من كان يرجو ثواب ربه. وروي عن مجاهد: أن رجلاً جاء إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: إني أتصدق بالصدقة وألتمس بها وجه الله، وأحب أن يقال لي خيراً. فنزل:
فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً. قرأ حمزة والكسائي وابن عامر في إحدى الروايتين أن يَنفَدُ بالياء بلفظ التذكير، وقرأ الباقون: بالتاء بلفظ التأنيث، لأن الفعل إذا كان مقدماً على الاسم يجوز التأنيث والتذكير.
قال الفقيه: حدّثنا أبو الحسن أحمد بن عمران قال: حدثنا أبو شهاب، قال: حدّثنا غنام بن يوسف، قال: حدثنا أبو عبد الله المديني، عن مخلد بن عبد الواحد، عن الخليل، عن علي بن زيد بن جدعان، عن زر بن حبيش، عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ