لأن الفعل مقدم، فيجوز كلاهما. وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي وعاصم في رواية حفص تتفطّرن بالتاءين والباقون بالنون، ومعناهما واحد مثل: ينشق وتنشق.
قال الله عزّ وجلّ: وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً يعني: ما اتخذ الله عز وجل ولداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً يعني: أقر بالعبودية له يعني: الملائكة وعيسى وعزيرا عليهم السلام وغيرهم لَقَدْ أَحْصاهُمْ يعني: حفظ عليهم أعمالهم ليجازيهم بها وَعَدَّهُمْ عَدًّا يعني: علم عددهم، ويقال: أَحْصاهُمْ أي: حفظ أعمالهم فيجازيهم وَعَدَّهُمْ عَدًّا أي: علم عدد أنفاسهم وحركاتهم وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً يعني: وحيداً بغير مال ولا ولد.
سورة مريم (١٩) : الآيات ٩٦ الى ٩٨
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨)
قال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعني: الطاعات فيما بينهم وبين ربهم سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا يعني: يحبهم ويحببهم إلى الناس، وقال كعب الأحبار رضي الله عنه: «قرأت في التوراة أنها لم تكن محبة لأحد إلا كان بدؤها من الله عز وجل، ينزلها إلى أهل السماء ثم ينزلها إلى أهل الأرض، ثم قرأت القرآن فوجدته فيه وهو قوله سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا يعني: محبة في أنفس القوم» ، روى سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إِذَا أَحَبَّ الله تعالى عبدا نادى جبريل عليه السلام قَدْ أَحْبَبْتُ فُلاَنَاً فَأَحِبُّوهُ فَيُنَادِي في السَّمَاءِ ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ المَحَبَّةُ فِي الأَرْضِ، وَإِذَا أَبْغَضَ الله تعالى عبدا نادى جبريل قد أَبْغَضْتُ فُلاناً فَيُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءَ ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ البَغْضَاءُ فِي أَهْلِ الأرض» «١» .
قوله عز وجل: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ يعني: هونا قراءة القرآن على لسانك لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ يعني: الموحدين وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا أي جُدلاً بالباطل، شديدي الخصومة، هو جمع ألد مثل: أصم وصم.
ثم قال عز وجل: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ يعني: من قبل قريش هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ يعني: هل ترى مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً أي صوتاً خفياً، والركز:
الصوت الذي لا يفهم. والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله.
(١) حديث أبي هريرة: أخرجه مالك: ١/ ٢٤٠ والبخاري (٧٥٠٤) ومسلم (٢٦٨٥) والنسائي ٤/ ١٠ وأحمد ٢/ ٤١٨.