فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة:
إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم.
ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرّق (١).
وأصبح المصحف العثماني أساسا في نشر وطبع المصاحف المتداولة الآن في العالم، فبعد أن كان الناس يقرءون بقراءات مختلفة، إلى وقت عثمان، جمع عثمان الناس على مصحف واحد، وحرف واحد، وجعله إماما، ولهذا نسب إليه، ولقّب بأنه جامع القرآن.
والخلاصة: إن جمع القرآن في عهد أبي بكر كان جمعا له في نسخة واحدة موثوقة، وجمع القرآن في عهد عثمان كان نسخا من صحف حفصة، لمصاحف ستة بحرف واحد. وكان هذا الحرف ملائما للأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.
وأصبح لقراءة رسم المصحف طريقان: موافقة للرسم المكتوب حقيقة، وموافقة للرسم احتمالا أو تقديرا.
ولا خلاف بين العلماء في أن ترتيب آيات السور توقيفي منقول ثابت عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم، كما أن ترتيب السور أيضا توقيفي على الراجح. أما دليل ترتيب
(١) صحيح البخاري: ٣١٥/ ٦ - ٣١٦.