قوله: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ} وَلَا مَسْأَلَة منه تَقَدَّمَتْ لِرَبِّهِ، وَلَا دَعَا, وَإِنَّمَا أَخْبَرَ رَبّه أَنَّ السِّجْن أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَته قِيلَ: فِي إِخْبَاره بِذَلِكَ شِكَايَةً مِنْهُ إِلَى رَبّه (١) , وفي قوله: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} موضع دُعَاء وَمَسْأَلَة مِنْهُ رَبّه, فلذلك قال الله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ} وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِل: إِنْ لَا تَزُرْنِي أُهِنْك، فَيُجِيبهُ الْآخَر: إِذَنْ أَزُورك ; لِأَنَّ فِي قَوْله: إِنْ لَا تَزُرْنِي أُهِنْك، مَعْنَى الْأَمْر بِالزِّيَارَةِ, وقوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (٢)
أي: إن ربه هو السميع دعاء يوسف, ودعاء كل داع من خلقه, {الْعَلِيمُ} بمطلبه وحاجته وما يصلحه, وبحاجة جميع خلقه وما يصلحهم. وقد تضمنت الآيات: البيان عما يوجبه عمل الفاحشة من الاجتهاد في سترها, كالاجتهاد في إبطالها, والاستغفار بالتوبة منها بما يمحو أثرها ويسقط التبعة بها, والبيان عما يوجبه ظهور حب الفاحشة من الفضيحة لصاحبها والعنَت بها, والضلال عن طريق الرشد بلزومها, والبيان عما يوجبه اللطيف في النبوة من البهاء والهيبة والحسن, وجلالة الداعي إلى صاحبها بطلب الرشد من جهته والحق من قبله, والبيان عما تدعوا إليه الجهالة مع شدة الشهوة من حمل النفس على الظلم بإيقاع المكروه بمن لا يستحقه لامتناعه من فعل ما لا يجوز له, والبيان عما يوجبه إخلاص الإيمان بالله من الفزع إلى دعائه بكشف ما قد أظل من البلية, واعترى من الآفة, مع الاعتراف بأنه إن لم يعصم من المعصية صاحبها وقع فيها وهلك بموجبها.
القولُ في الوقفِ والتمامِ:
(١) ابن جرير، مرجع سابق، ١٣/ ١٤٦.
(٢) فائدة: إن الله هو الذي يسمع ويعلم، يسمع الكيد والدعاء وغيرهما، ويعلم ما وراء الكيد وما وراء الدعاء، والتعبير بالاستجابة تقتضبى تقدم الدعاء عليها. وفيه إثبات صفة الله تعالى بالعلم والسمع ولا يعتد المؤمن بإيمانه إلى درجة الغرور وإنما يكل أمره إلى الله ويستمد منه العون في مواجهة الخطوب والصمود أمام الفتن ويسأله الصبر .. وبيان أنه يلزم مع الدعاء من البر ما يلزم الطعام من الملح المؤمن يتقلب في أحوال بين لطف في عنف، ونعمة في نقمة، وشر في عسر، ورجاء في يأس. نصر والهلالي، مرجع سابق، ١/ ٤١٠ - ٤١٤ - ٤١٧.