إلي وأنتم سالمون معافون لا على دخولكم مصر من أبواب متفرقة, {عليه تَوَكَّلْتُ} أي: فوضت أمري, {وَعليه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} أي: وإلى الله فليفوض المفوضون أمورهم (١).
وقوله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ} أي: ولما دخل ولد يعقوب من حيث أمرهم أبوهم من أبواب متفرقة, {مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ} قضاء الله الذي حتمه من شيء, إلا أنهم قضوا وطراً ليعقوب من دخولها (٢) من طرق متفرقة مما كان يخاف عليهم بدخولهم من طريق واحد من العين, فاطمأنت نفسه أن يكونوا أُتوا من قبل ذلك, أو نالهم من أجله مكروه, قال مجاهد (٣) وابن عباس: وإن يعقوب لذو علم لتعليمنا إياه (٤) , وقيل: إنه لذو حفظ لما استودعناه صدره من العلم (٥) , {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} أي: ولكن كثيرا من الناس غير يعقوب, لا يعلمون ما يعلمه يعقوب. وقد تضمنت الآيات: البيان عما يوجبه الدعاء إلى طاعة المحسن بين الذكر لإحسانه فيما أولى وخيره الذي يرجى إذ هو حقيق به وأهل له, والبيان عما يوجبه الظن بالإنسان النفيس من الامتناع بإرساله إلى من طلبه إلا بعد الميثاق على من أصحبه إياه أن يرده إليه إلا أن يأتيه ما لا قبل له به ولا يطيق الامتناع منه, والبيان عما يوجبه الاحتياط في نفي مكروه العين والحسد من تفريق ما جمعه يكثر في نفوس الحساد وكثير من الناس, حتى ربما أدى ذلك إلى الهلاك, والبيان عما يوجبه إزالة توهم الخطأ على البريء منه من وصفه بما ينباء أنه ما عمل إلا ما له أن يعمله ومن ذكره بالعلم الذي قد وهب له وأن أمراً دار في نفسه بلغه مما يجري مجرى الاحتياط في تدبير ولده.
(١) ابن جرير، مرجع سابق، لكن بلفظ: أمورَهم المفوِّضون، ١٦/ ١٦٦.
(٢) في (د) "دخولهموها".
(٣) مجاهد، مرجع سابق، ١/ ٣٩٩, ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٧/ ٢١٦٩.
(٤) ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٧/ ٢١٦٩.
(٥) ابن جرير، مرجع سابق، ١٣/ ٢٤٠. ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٧/ ٢١٧٠.