وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} أي: وما أرسلنا يا محمد من قبلك إلا رجالاً, لا نساءً ولا ملائكة, {نُوحِي إِلَيْهِمْ} آياتنا بالدعاء إلى طاعتنا, وإفراد العبادة لنا {مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} يعني: من أهل الأمصار, دون أهل البوادي (١) , {أَفَلَمْ يَسِيرُوا} يقول تعالى ذكره: أفلم يسِر هؤلاء المشركون-الذين يكذبونك يا محمد ويجحدون نبوَّتك, وينكرون ما جئتهم به من توحيد الله وإخلاص العبادة والطاعة له في الأرض، فينظروا كيف كان عاقبة الأمم الذين كانوا من قبلهم إذ كذبوا رسُلنا ألم تحِلّ بهم عقوبتنا, فنهلكهم بها, وننج رسلنا وأتباعهم, فيتفكروا في ذلك ويعتبروا (٢) نحو ما روي عن ابن جريج, وقوله: {وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ} يقول تعالى ذكره: هذا فِعْلُنا في الدنيا بأهل ولايتنا وطاعتنا (٣)، وما في الدار الآخرة لهم خير، وترك ذكر ما ذكرنا اكتفاءً بدلالة قوله: {وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} , وأضيفت "الدار" إلى {الْآَخِرَةِ} والمعنى لدار الكرة الآخرة, كما قيل: صلاة الأولى أي: صلاة الفريضة الأولى, فالمعنى: {وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه, وقيل: أضيفت الدار إلى الآخرة وهي الآخرة لاختلاف لفظيهما, كما قال: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} (٤) وكما تقول: أتيتك عام الأوَّل (٥)
وينشد (٦):
(١) فائدة: بيان أن الرسالة من خصوصيات الرجال وليس في النساء، جرت سنة الله أن يكون الرسول بشراً من جنس قومه، العاقل يؤثر نعيم الجنة الدائم على عرض الدنيا الزائل الرسل لا يكونون من أهل البادية لما في أهل البوادي من جفاء وخشونة طبع. نصر والهلالي، مرجع سابق، ١/ ٩٠٦.
(٢) ابن جرير، مرجع سابق، ١٣/ ٣٨٠.
(٣) ابن جرير، مرجع سابق، ١٣/ ٣٨١.
(٤) سورة الواقعة، الآية: ٩٥.
(٥) ابن جرير، مرجع سابق، ١٣/ ٣٨١ .. ابن الجوزي، مرجع سابق، ٢/ ٤٧٧.
(٦) قال الشيخ شاكر تعليقاً على الطبري لم أعرف قائله والبيتان بلا نسبة في التفاسير التالية. الفراء, مرجع سابق,٢/ ٥٦ السمعاني أبو المظفر، مرجع سابق، ١٣/ ٣٨١.و"الهجين"، ولد العربي لغير العربية. و" أقوت الدار": أقفرت وخلت من سكانها. وظاهر هذا الشعر، أن قائله يقوله في رجل من بني عبس، كان هجينًا، فمدح فقعسًا وذم قومه لخذلانهم إياه. فهو يقول له: لو فارقت عبس مكانها وأفردتك فيه، لعرفت الذل عرفانًا يقينًا. ابن جرير، مرجع سابق، ١٦/ ٢٩٥.واجتهدت فيمن قال هذين البيتين، فلم أعرف قائلهما- فالله المستعان.