الأرض , وسبب ذلك , أن الله تعالى لما أطلع الملائكة على معاصي بني آدم , عجبوا من معصيتهم له مع كثرة أَنْعُمِهِ عليهم , فقال الله تعالى لهم: أما أنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم , فقالوا: سبحانك ما ينبغي لنا , فأمرهم الله أن يختاروا ملكين ليهبطا إلى الأرض , فاختاروا هاروت وماروت فأُهْبِطَا إلى الأرض , وأحل لهما كل شيء , على ألا يُشْرِكا بالله شيئاً , ولا يسرقا , ولا يزنيا , ولا يشربا الخمر , ولا يقتلا النفس التي حرم الله إلا بالحق , فعرضت لهما امرأة وكان يحكمان بين الناس تُخَاصِمُ زوجها واسمها بالعربية: الزهرة , وبالفارسية: فندرخت , فوقعت في أنفسهما , فطلباها , فامتنعت عليهما إلا أن يعبدا صنماً ويشربا الخمر , فشربا الخمر , وعبدا الصنم , وواقعاها , وقتلا سابلاً مر بهما خافا أن يشهر أمرهما , وعلّماها الكلام الذي إذا تكلم به المتكلم عرج إلى السماء , فتكلمت وعرجت , ثم نسيت ما إذا تكلمت به نزلت فمسخت كوكبا , قال: كعب فوالله ما أمسيا من يومهما الذي هبطا فيه , حتى استكملا جميع ما نهيا عنه , فتعجب الملائكة من ذلك. ثم لم يقدر هاروت وماروت على الصعود إلى السماء , فكانا يعلّمان السحر. وذكر عن الربيع أن نزولهما كان في زمان (إدريس). وأما السحر فقد اختلف الناس في معناه: فقال قوم: يقدر الساحر أن يقلب الأعيان بسحره , فيحول الإنسان حماراً , وينشئ أعياناً وأجساماً. وقال آخرون: السحر خِدَع وَمَعَانٍ يفعلها الساحر , فيخيل إليه أنه بخلاف ما هو , كالذي يرى السراب من بعيد , فيخيل إليه أنه ماء , وكواكب السفينة السائرة سيراً حثيثاً , يخيل إليه أن ما عاين من الأشجار والجبال سائرة معه.