والرابع: أنه لما حسن أن يقال للمنافق: {ذُقْ إِنًّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} الدخان: ٤٩ , صار القول كالاستهزاء به. والخامس: ما حكي: أنهم يُفْتَح لهم باب الجحيم , فيرون أنهم يخرجون منها , فيزدحمون للخروج , فإذا انتهوا إلى الباب ضربهم الملائكة , بمقامع النيران , حتى يرجعوا , وهاذ نوع من العذاب , وإن كان كالاستهزاء. قوله عز وجل: {وَيَمُدُّهُمْ في طُغْيانِهم يَعْمَهُونَ} وفي يمدهم تأويلان: أحدهما: يملي لهم , وهو قول ابن مسعود. والثاني: يزيدهم , وهو قول مجاهد. يقال مددت وأمددت , فحُكِيَ عن يونس أنه قال: مددت فيما كان من الشر , وأمددت فيما كان من الخير , وقال بعض الكوفيين: يقال: مددتُ فيما كانت زيادته منه , كما يقال مَدّ النصر , وأَمَدَّه نهر آخر , وأمددت فيما حدثت زيادته من غيره , كقولك أمْدَدْتُ الجيش بمددٍ , وأمِد الجرح , لأن المدة من غيره. {في طغيانهم} يعني تجاوزهم في الكفر، والطغيان مجاوزة القدر، يقال طغى الماء، إذا جاوز قدره، قال الله تعالى: {إنك لما طغى الماء حملناكم في الجارية}. الحاقة: ١١. {يعمهون} في ثلاثة أقوال: أحدها: يترددون، ومنه قول الشاعر:
(حيران يعمه في ضلالته ... مستورد بشرائع)
والثاني: معناه يتحيرون، قال رؤية بن العجاج:
(ومهمه أطرافه في مهمه ... أعمى الهدى بالجاهلين العمه)
والثالث: يعمهون عن رشدهم، فلا يبصرونه، لأن من عمه عن الشيء كمن كمه عنه، قال الأعشى:
(أراني قد عمهت وشاب رأسي ... وهذا اللعب شين للكبير)