«ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ» الذي جعل سكونكم معه، وانزعاجكم له، واشتياقكم إليه، ومحبتكم فيه، وانقطاعكم إليه.
قوله جل ذكره:
سورة غافر (٤٠) : آية ٦٤
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤)
«صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» : خلق العرش والكرسيّ والسماوات والأرضين وجميع المخلوقات ولم يقل هذا الخطاب، وإنما قال لنا: «وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» وليس الحسن ما يستحسنه الناس بل الحسن ما يستحسنه الحبيب:
ما حطك الواشون عن رتبة ... عندى ولا ضرّك مغتاب
كأنهم أثنوا- ولم يعلموا- عليك عندى بالذي عابوا لم يقل للشموس في علائها، ولا للأقمار في ضيائها: «وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» .
ولمّا انتهى إلينا قال ذلك، وقال: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» «١» ويقال إن الواشين قبّحوا صورتكم عندنا «٢» ، بل الملائكة كتبوا في صحائفكم قبيح ما ارتكبتم.. ومولاكم أحسن صوركم، بأن محا من ديوانكم الزّلّات، وأثبت بدلا منها الحسنات، قال تعالى: «يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ» «٣» ، وقال:
«فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ» «٤» .
قوله جل ذكره: «وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ» .
ليس الطيب ما تستطيبه النفس إنما الطيب ما يستطيبه القلب، فالخبز
(١) آية ٤ سورة التين.
(٢) ربما يقصد القشيري بذلك إبليس الذي استعلى بكونه مخلوقا من نار على آدم المخلوق من الطين.
(٣) آية ٣٩ سورة الرعد.
(٤) آية ٧٠ سورة الفرقان.