قال أهل المعاني: معنى {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ} مترددين بين الكفر والإيمان، لا إلى المؤمنين بإخلاص الإيمان، ولا إلى المشركين فيخلصوا الشرك على الإظهار والإبطان (١).
والمُذبذب المتردد المتحرك، ويكون ذلك بتحريك الغير، ولا أحد فعل ذلك إلا الله تعالى فهو قد ذبذبهم، وصيّرهم مترددين يتذبذبون.
وقوله تعالى: {لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} إشارة إلى الفريقين الذين تقدم ذكرهما، وهما الكافرين والمؤمنين (٢).
وقد ذكرنا أنَّ المراد بالكافرين في هذه القصة اليهود.
فإن قيل: كيف يجوز أن يُذموا بأنهم لا إلى الكافرين، وهم لا يستحقون المدح، وإن صاروا إليهم بإظهار الكفر.
والجواب: أنهم تركوا ذلك الكفر بكفر أشر منه وأوضع لصاحبه، وذلك أن المنافق أشرّ من المجاهر بالكفر، والمجاهر أحسن حالًا منه، لأن المجاهر يُرجى (٣) فلاحه بالاستدعاء إلى الحق، والمنافق ميئوس منه، فجاز أن يُذموا بترك كفر إلى كفرٍ أوضع منه.
وقوله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} قال ابن عباس: "يريد من أضله الله فلن تجد له دينًا" (٤).
(١) انظر: الطبري ٥/ ٣٣٦، و"الكشف والبيان" ٤/ ١٣٥ أ.
(٢) انظر: "الكشف والبيان" ٤/ ١٣٥ب.
وهكذا جاء التعبير بالنصب "الكافرين والمؤمنين" والظاهر الرفع: "وهما الكافرون والمؤمنون" على أنه مبتدأ وخبر.
(٣) في المخطوط (يرجا) بالمحدودة.
(٤) "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص ١٠١.