فصرح بغيبتهم عن الأرض مع كونهم فيها، والمُحدثُون يُحتَجّ بهم في المعاني، ولا يحتج بهم في الألفاظ.
قال أبو محمد: وليس نفي الخارب (١) من بلده إلى غيره عقوبةً له، بل هو إهمال وتسليط وبعث على التزيد في العبث والفساد (٢).
ومذهب الفقهاء في هذه الآية أيضًا أن المراد بالنفي: الحبس.
قال الشافعي: ومن حضر منهم وكثر أو هِيب أو كان رِدءًا (٣) عُزِّر وحبس (٤).
وهو مذهب أبي حنيفة أيضًا (٥). قال (٦): ومن قتل وجرح أقص لصاحب الجرح ثم قتل، ولو أخذ المال وجرح أقص صاحب الجرح ثم قطع، لا يمنع حق الله حق الآدميين، ومن عفا عن الجراح كان له، ومن عفا عن النفس لم يحقن بذلك دمه، وعلى الإِمام قتله إذا بلغت جنايته القتل، ولا يقطع منهم إلا من أخذ ربع دينار فصاعدا، قياسًا على السنة في السارق (٧).
وقوله تعالى: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا} أي: فضيحة وهوان.
{وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وهذا للكفار الذين نزلت في العُرَنِيّين
(١) الخارب: اللص. "الصحاح" ١/ ١١٩ (خرب).
(٢) "تأويل مشكل القرآن" ص ٤٠١.
(٣) في "الأم" ٦/ ١٥٢: ردءا للصوص أي: مساعدًا.
(٤) "الأم" ٦/ ٥٢، وانظر البغوي في "تفسيره" ٣/ ٥٠.
(٥) انظر: الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢١٨، "بحر العلوم" ١/ ٤٣٢، "النكت والعيون" ٢/ ٣٤، "زاد المسير" ٢/ ٢٤٦.
(٦) أي الشافعي.
(٧) "الأم" ٦/ ١٥٢ بتصرف، وانظر البغوي في "تفسيره" ٣/ ٤٩.