لا شيء عليك من كفرهم، فإن عليك التبليغ، وما وُكل إليك إيمانهم، والله أعلم بهم إن شاء هَدْيَهم (١) وإن شاء خَذْلَهم.
٥٥ - وقوله تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} قال ابن عباس: هو أعلم بهم؛ لأنه خلقهم، فهدى بعفبهم، وأضل بعضهم؛ كما قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} التغابن: ٢.
وقال أهل المعاني: إنما ذكر أنه أعلم بهم بعد قوله: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ}؛ ليدل به على أن تفضيل الأنبياء بعضهم على بعض وقع موقع الحكمة؛ لأنه من عالم بباطن الأمر (٢).
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} كلام المفسرين في هذا يدل على أن المعنى فيه: أن كل واحد منهم خُصّ بفضيلة؛ فقال قتادة: نعم فضّل الله بعض النبيين على بعض؛ فاتخذ إبراهيم خليلاً، وكلّم موسى تكْليمًا، وجعل عيسى كلمته وروحه، وآتى سليمان ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وآتى داود زبورًا، وغفر لمحمد ما تقدم من ذنبه وما تأخر (٣).
وقال الكلبي: فضّل موسى بالكلام، وإبراهيم بالخُلَّة، واصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وآتى داود زبورًا (٤).
وقال ابن عباس في هذه الآية: يريد لذلك فَضَّلت ولد آدم؛ فمنهم من
(١) مطموسة في (ع)، وفي (د): (يهديهم).
(٢) ورد في "تفسير الطوسي" ٦/ ٤٩٠ بنصه.
(٣) أخرجه "الطبري" ١٥/ ١٠٣، بنحوه، وورد في "تفسير الثعلبي" ٧/ ١١١ أ، بنحوه، انظر: "تفسير البغوي" ٥/ ١٠٠، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٤/ ٣٤١، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ص ٣٠١ مختصرًا.