الغداء والعشاء أعجب به، فأخبر الله أن لهم فِي الجنة رزقهم بكرة وعشيا على قدر ذلك الوقت، وليس ثم دليل ولا نهار، إنما هو ضوء ونور.
وقال الحسن: كانت العرب لا تعرف شيئا من العيش أفضل من الغداء والعشاء، فذكر الله جنته، فقال: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} مريم: ٦٢ .
قوله: تلك الجنة يعني الجنة التي ذكرها في قوله: {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} مريم: ٦٠ ، {الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا} مريم: ٦٣ .
وذلك أن الله تعالى يورث عباده المؤمنين من الجنة المساكن التي كانت لأهل النار لو آمنوا، وجوز أن يكون معنى يورث تعظيم ذلك، وننزلهم إياها، وتكون كالميراث لهم من جهة أنها تمليك مستأنف، وقوله: {مَنْ كَانَ تَقِيًّا} مريم: ٦٣ أي: من اتقى معصية الله وعقابه بالطاعة والإيمان.
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا {٦٤} رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا {٦٥} } مريم: ٦٤-٦٥ قوله: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} مريم: ٦٤
٥٩٤ - أَخْبَرَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاعِظُ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَفَّالُ، أنا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الرَّسْعَنِيُّ، نا جَدِّي، نا الْمُغِيرَةُ، نا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا جِبْرِيلُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورَنَا، فَنَزَلَ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} الآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ: وَكَانَ هَذَا جَوَابًا لِمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: اسْتَبْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جِبْرِيلَ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ: يَا جِبْرِيلُ، إِنِّي كُنْتُ لَمُشْتَاقًا إِلَيْكَ، قَالَ: وَأَنَا، وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ، قَدْ كُنْتُ إِلَيْكَ مُشْتَاقًا، وَلَكِنِّي عَبْدٌ مَأْمُورٌ، إِذَا بُعِثْتُ نَزَلْتُ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ
وقوله: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} مريم: ٦٤ أي: من أمر الآخرة والثواب والعقاب، {وَمَا خَلْفَنَا} مريم: ٦٤ ما مضى من الدنيا، {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} مريم: ٦٤ ما يكون هذا الوقت إلى يوم القيامة، وهذا قول سعيد بن جبير، وقتادة، ومقاتل، واختيار الزجاج.
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} مريم: ٦٤ قال ابن عباس: تاركا لك منذ أبطأ عنك الوحي.
والنسي بمعنى الناسي، وهو التارك.
{رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} مريم: ٦٥ مالكها، وما بينهما ومالك ما بينها، فاعبده وحده، لأن عبادته بالشرك كلا عبادة، {وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} مريم: ٦٥ أصبر على أمره ونهيه، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} مريم: ٦٥ قال ابن عباس فِي رواية الوالبي: هل تعلم للرب مثلا أو شبها؟ وهو قول مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة.
وقال فِي رواية عكرمة: هل تعلم أحدا اسمه الرحمن غيره؟ وقال فِي رواية عطاء: هل تعلم أحدا يسمى الله غيره؟ وقال الزجاج: تأويله، والله أعلم، هل تعلم له سميا يستحق أن يقال له خالق وقادر وعالم بما كان وبما يكون؟ وعلى هذا لا سَمِيّ لله فِي جميع أسمائه، لأن غيره، وإن سُمِّيَ بشيء من أسمائه، فلله حقيقة ذلك الوصف.