أي: منعتمونا عن الإيمان.
ثم أجابهم المتبوعون في الكفر بقول: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ} سبأ: ٣٢ أي: منعناكم عن الإيمان، {بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ} سبأ: ٣٢ بترك الإيمان، وفي هذا تنبيه للكفار أن طاعة بعضهم لبعض في الدنيا تصير سبب عداوة في الآخرة، كقوله: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا} البقرة: ١٦٦ الآية، فقال الأتباع مجيبين {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ} سبأ: ٣٣ قال الأخفش: الليل والنهار لا يمكران بأحد، ولكن يمكر فيهما.
وهذا كقوله: {مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} محمد: ١٣ وهو من سعة العربية.
وقال المبرد: أي: بل مكركم في الليل والنهار.
{إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ} سبأ: ٣٣ وهو أنهم يقولون لهم: إن ديننا هو الحق، ومحمد ساحر كذاب.
{وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} سبأ: ٣٣ تقدم تفسيره في { يونس.
وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا} سورة سبأ: ٣٣ قال ابن عباس: غلوا بها في النيران.
{هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا} سبأ: ٣٣ جزاء، {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سبأ: ٣٣ من الشرك في الدنيا.
قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ {٣٤} وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ {٣٥} قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ {٣٦} وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ {٣٧} وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ {٣٨} قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ {٣٩} } سبأ: ٣٤-٣٩ {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ} سبأ: ٣٤ نبي ينذر أهلها، {إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا} سبأ: ٣٤ رؤساؤها وأغنياؤها: {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} سبأ: ٣٤ من التوحيد والإيمان، كافرون وقالوا: {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا} سبأ: ٣٥ افتخر مشركو مكة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين بأولادهم وأموالهم وظنوا أن الله إنما خولهم المال والولد كرامة لهم، فقالوا: {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} سبأ: ٣٥ أي: إن الله أحسن إلينا بالمال والولد فلا يعذبنا، فقال الله تعالى لنبيه: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} سبأ: ٣٦ يعني أن بسط الرزق وتضييقه من الله يفعله ابتلاء وامتحانا، لا يدل البسط على رضا الله، ولا يدل التضييق على سخطه، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ} سبأ: ٣٦ يعني أهل مكة، لا يعلمون ذلك حين ظنوا أن أموالهم وأولادهم دليل على كرامة الله لهم.
ثم صرح بهذا المعنى، فقال: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} سبأ: ٣٧ قال الأخفش: زلفى اسم المصدر، كأنه أراد بالتي تقربكم عندنا تقريبا، {إِلا مَنْ آمَنَ} سبأ: ٣٧ لكن من آمن، وعمل صالحا قال ابن عباس: يريد أن إيمانه وعمله قربه مني، {فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا} سبأ: ٣٧ يضاعف الله له حسناتهم، فيجزي بالحسنة الواحدة عشرا إلى سبع مائة إلى ما زاد، {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ} سبأ: ٣٧ يعني غرف الجنة، وهي البيوت فوق الأبنية، آمنون من الموت والغير.
وقرأ حمزة في الغرفة على واحدة، كقوله: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} الفرقان: ٧٥ واسم الجنس يجوز أن يراد