وقال ابن عباس، فِي رواية عطاء: يريد: بقلبه ولسانه وجوارحه، فلم يعدل بالله شيئا، ورضي أن يحرق بالنار فِي رضا الله عز وجل، ولم يستعن بأحد من الملائكة.
قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ} البقرة: ١٣٢ يقال: وصى يوصي توصية ووصاه.
وقرئ وأوصى، ولهما أمثلة من الكتاب، فمثال التشديد قوله: {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} يس: ٥٠ ، وقوله: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} العنكبوت: ٨ ، ومثال الإفعال قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} النساء: ١١ ، وقوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} النساء: ١٢ .
قال الزجاج: وصى: أبلغ من أوصى، لأن أوصى: جائز أن يكون قال لهم مرة واحدة، ووصى: لا يكون إلا لمرات كثيرة.
وقوله: بها قال الكلبي، ومقاتل: بكلمة الإخلاص «لا إله إلا الله» ، وذلك أن إبراهيم، ومِنْ بعدِه يعقوب وصيا أولادهما بلزوم التوحيد، وقالا لهم: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ} البقرة: ١٣٢ قال ابن عباس: يريد: دين الإسلام دين الحنيفية، قال إبراهيم لبنيه: لا تعدلوا بالله شيئا، وإن نشرتم بالمناشير، وقرضتم بالمقاريض، وحرقتم بالنار.
وقوله: {فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} البقرة: ١٣٢ وقع النهي فِي ظاهر الكلام على الموت، وإنما نهوا فِي الحقيقة عن ترك الإسلام، لئلا يصادفهم الموت عليه.
والمعنى: الزموا الإسلام حتى إذا أدرككم الموت صادفكم عليه، وهذا كما تقول: لا أريتك ههنا.
توقع حرف النهي على الرؤية، وأنت لم تنه نفسك على الحقيقة، بل نهيت المخاطب، كأنك قلت: لا تقربن هذا الموضع، فمتى جئته لم أرك فِيهِ.
وهذا من سعة الكلام.
{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {١٣٣} تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {١٣٤} } البقرة: ١٣٣-١٣٤ وقوله: أم كنتم شهداء الآية، نزلت فِي اليهود حين قالوا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألست تعلم أن يعقوب