ولما حولت القبلة قالت اليهود: يا محمد، ما أمرت بهذا، وإنما هو شيء من عندك تبتدعه من تلقاء نفسك.
فأنزل الله: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} البقرة: ١٤٤ أي: إن اليهود عالمون أن المسجد الحرام قبلة إبراهيم وأنه الحق.
{وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} البقرة: ١٤٤ قال ابن عباس: يريد أنكم يا معشر المؤمنين تطلبون مرضاتي، وما أنا بغافل عن ثوابكم وجزائكم، وأن اليهود يطلبون سخطي، وما أنا بغافل عن خزيهم فِي الدنيا والآخرة.
قوله: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} البقرة: ١٤٥ الآية، قال أهل التفسير: إن اليهود والنصارى طلبوا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآيات، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأيأس نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إيمانهم، وذلك أنهم علموا صدق محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما كانوا يرونه فِي كتابهم من صفته ونعته، ولكنهم جحدوا مع تحقق علمهم، وما تغني الآيات والنذر عند من يجحد ما يعرف، لذلك قال: {مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} البقرة: ١٤٥ .
وقوله: {وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} البقرة: ١٤٥ حسم بهذا أطماع اليهود فِي رجوعه عليه السلام إلى قبلتهم، وما بعضهم يعني: اليهود والنصارى {بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} البقرة: ١٤٥ أخبر أنهم وإن اتفقوا على عداوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهم مختلفون فيما بينهم، فلا اليهود تستقبل المشرق، ولا النصارى تستقبل بيت المقدس.
{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} البقرة: ١٤٥ أي: صليت إلى قبلتهم، {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} البقرة: ١٤٥ أن قبلة الله هي الكعبة، {إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} البقرة: ١٤٥ أي: إنك إذا مثلهم، والخطاب له فِي الظاهر، وهو فِي المعنى لأمته.
{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {١٤٦} الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ {١٤٧} وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {١٤٨} } البقرة: ١٤٦-١٤٨ قوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ} البقرة: ١٤٦ الآية، قال الكلبي: يعني عبد الله بن سلام وأصحابه،