وقال ابن عباس في رواية عطاء: هذا مقدم ومؤخر، يريد: إني رافعك إلي ومتوفيك بعد أن أهبطك إلى الأرض حتى تكون فيها وتتزوج ويولد لك حتى تموت.
وهذا اختيار الفراء، قال: يقال: إن هذا مقدم ومؤخر، والمعنى: إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا.
وقوله: ورافعك إلي أي: إلى سمائي ومحل كرامتي، فجعل ذلك رفعا إليه للتفخيم والتعظيم.
{وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} آل عمران: ٥٥ أي: مخرجك من بينهم، لأن كونه في جملتهم التنجيس له بهم.
{وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} آل عمران: ٥٥ قال قتادة والربيع والكلبي ومقاتل: هم أهل الإسلام من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اتبعوا دين المسيح وصدقوه بأنه رسول الله وكلمته، ألقاها إلى مريم وروح منه، فوالله ما اتبعه من دعاه ربا.
ومعنى {فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} آل عمران: ٥٥ بالبرهان والحجة، ومحتمل بالعز والغلبة.
ثم رجع عن الغيبة إلى الخطاب فقال: {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} آل عمران: ٥٥ من الدين وأمر عيسى.
ثم بين ذلك الحكم فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا} آل عمران: ٥٦ يعني: بالقتل وسبي الذراري وأخذ الجزية، والآخرة وفي الآخرة بالنار، {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} آل عمران: ٥٦ ما لهم من يمنعهم من عذاب الله.
{وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} آل عمران: ٥٧ بمحمد وعيسى، {فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ} آل عمران: ٥٧ يتم لهم جزاءهم من الثواب، {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} آل عمران: ٥٧ لا يرحمهم، ولا يثني عليهم، وهم الذين لا يطيعون الله فيما أمرهم به من الإيمان بالرسل والكتب.
وقوله: ذلك إشارة إلى ما تقدم من الخبر عن عيسى ومريم والحواريين، نتلوه عليك قال ابن عباس: نخبرك به بتلاوة جبريل عليك، وتلاوته بأمر الله، ومثله قوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} يوسف: ٣ .
وقوله: من الآيات أي: العلامات الدالة على نبوتك، لأنها أخبار لا يعلمها إلا قارئ كتاب، أو من يوحى إليه، وأنت أمي لا تقرأ.
وقوله: {وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} آل عمران: ٥٨ يعني: القرآن الحكيم، أي: المانع من الفساد وكل ما يقبح، ويجوز أن يكون بمعنى المحكم، أي: الممنوع من الباطل.