قال بعضهم لبعض: انطلق بنا إلى محمد لعلنا نفتنه ونرده عما هو عليه، فإنما هو بشر.
فأتوه، وقالوا له: قد علمت أنا إن اتبعناك لاتبعك الناس، وإن لنا خصومة، فاقض لنا على خصومنا إذا تحاكمنا إليك ونحن نؤمن بك ونصدقك، فأنزل الله تعالى: {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} المائدة: ٤٩ قال ابن عباس: يردوك إلى أهوائهم.
قال أبو عبيدة: كل من صرف عن الحق إلى الباطل، وأميل عن القصد فقد فتن.
وقوله: فإن تولوا: فإن أعرضوا عن الإيمان والقرآن {فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ} المائدة: ٤٩ إن إعراضهم من أجل أن الله يريد أن يعجل لهم العقوبة في الدنيا بالقتل والجلاء والجزية، ببعض ذنوبهم، ويجازيهم بالباقي في الآخرة، {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} المائدة: ٤٩ يعني: اليهود.
قوله جل جلاله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} المائدة: ٥٠ قال المفسرون: معناه: أتطلب اليهودُ في حكم الزانيين حكما لم يأمر الله تعالى به، وهم أهل الكتاب كما يفعل أهل الجاهلية.
وقرا ابن عامر: تبغون بالتاء: على معنى: قل لهم يا محمد: أفحكم الجاهلية تبغون؟ {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} المائدة: ٥٠ قال الزجاج: أي: من أيقن تبين عدل الله في حكمه.
{يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {٥١} فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ {٥٢} وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ {٥٣} } قوله عز وجل: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} المائدة: ٥١ قال عطية: جاء عبادة بن الصامت، فقال: يا رسول الله إن لي موالي من اليهود كثير عددهم حاضر نصرهم، وإني أبرأ إلى الله تعالى ورسوله من ولاية اليهود، وآوي إلى الله ورسوله.
فقال عبد الله بن أبي: لكن أخاف الدوائر ولا أبرأ من ولاية اليهود، فأنزل الله تعالى فيهما هذه الآية والتي بعدها.