وقوله: {وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} المائدة: ٨٤ يعني: أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دليله قوله تعالى: {يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} الأنبياء: ١٠٥ .
قوله: {فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا} المائدة: ٨٥ الآية: إنما علق الثواب بمجرد القول لأنه سبق من وصفهم ما يدل على إخلاصهم فيما قالوا، وهو المعرفة في قوله: {مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} المائدة: ٨٣ ، والبكاء المؤذن بحقيقة الإخلاص، واستكانة القلب ومعرفته إذا اقترن به القول فهو الإيمان الحقيقي الموعود عليه الثواب.
وقال ابن عباس في قوله: بما قالوا يعني: بما سألوا من قولهم: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} المائدة: ٨٣ ، وقولهم {وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} المائدة: ٨٤ ، وهذا يدل على مسألتهم الجنة.
وعلى هذا التفسير القول معناه: المسألة.
وقوله: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} المائدة: ٨٥ يعني: الموحدين المؤمنين.
ولما ذكر الله الوعد لمؤمني أهل الكتاب، ذكر الوعيد لمن كفر منهم وكذب، فقال {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} المائدة: ٨٦ .
{يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {٨٧} وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ {٨٨} } المائدة: ٨٧-٨٨ قوله: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} المائدة: ٨٧ الطيبات: اللذيذات التي تشتهيها النفوس، وتميل إليها القلوب.
قال المفسرون: هَمَّ قوم من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرفضوا الدنيا، ويحرموا على أنفسهم المطاعم الطيبة، والمشارب اللذيذة، وأن يصوموا النهار، ويقوموا الليل، ويخصوا أنفسهم، فأنزل الله هذه الآية.
واعلم أن الطيبات لا ينبغي أن تجتنب، وسمى الخصاء اعتداء، فقال: ولا تعتدوا أي: لا تجبوا أنفسكم، هذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وإبراهيم.