منهم: إن أهل السعادة من الذرية أقروا طوعا، وإن أهل الشقاوة أقروا تقية وكرها، وذلك معنى قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} آل عمران: ٨٣ وقال الزجاج: جائز أن يكون الله تعالى جعل لأمثال الذر فهما يعقل به، كما قال: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} النمل: ١٨ ، وكما قال: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} الأنبياء: ٧٩ .
وقوله: شهدنا قال الكلبي: لما قالت الذرية بلى.
قال الله للملائكة: اشهدوا، فقالوا: شهدنا.
وقال السدي: هو خبر من الله تعالى عن نفسه وملائكته أنهم شهدوا على إقرار بني آدم.
ويحسن الوقف على قوله: بلى، لأن كلام الذرية قد انقطع.
وقوله: أن تقولوا معناه لئلا تقولوا، كما قال: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} النحل: ١٥ ، ويجوز أن يكون التقدير: شهدنا كراهية أن تقولوا.
وقرأ أبو عمرو بالياء، لأن الذي تقدم من الياء على الغيبة، وكلا الوجهين حسن لأن الغيب هم المخاطبون في المعنى، قال المفسرون: وهذه الآية تذكير بما أخذ على جميع المكلفين من الميثاق، واحتجاج عليهم لئلا يقول الكفار إنا كنا عن هذا الميثاق غافلين لم نحفظه ولم نذكره.
ونسيانهم لا يسقط الاحتجاج بعد أن أخبر الله بذلك على لسان صاحب المعجزة، وإذا صح ذلك بقول الصادق قام في النفوس مقام الذكر، فالاحتجاج به قائم، ثم قطع عذر الكفار بقوله: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} الأعراف: ١٧٣ لا يستطيع أحد من الذرية الكافرة أن يقول يوم القيامة: إنما أشرك آباؤنا من قبلنا، ونقضوا العهد، {وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} الأعراف: ١٧٣ فاقتدينا بهم، {أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} الأعراف: ١٧٣ أفتعذبنا بما فعل المشركون المكذبون بالتوحيد؟ فلا يمكنهم أن يحتجوا بمثل هذا الكلام بعد تذكير الله بأخذ الميثاق بالتوحيد على كل واحد من الذرية، قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ} الأعراف: ١٧٤ أي: وكما بينا في أخذ الميثاق نبين الآيات ليتدبرها العباد فيرجعوا إلى مدلولها ويعملوا بموجبها، وهو بمعنى قوله: ولعلهم يرجعون أي: ولكي يرجعوا عما هم عليه من الكفر إلى التوحيد.