{رأى كوكبا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أفل قَالَ لَا أحب الآفلين (٧٦) فَلَمَّا رأى الْقَمَر بازغا قَالَ}
وَفِي الْقِصَّة: أَن وَاحِدًا من الكهنة، قَالَ لنمروذ: إِن ملكك يهْلك على (يَدي) ولد فِي زَمَانك، فَكَانَ يقتل الْبَنِينَ مِمَّن يُولد فِي زَمَانه؛ فَلَمَّا أَتَت أم إِبْرَاهِيم بإبراهيم، جَاءَ بِهِ أَبوهُ إِلَى سرب الأَرْض شبه مغار، وَوَضعه فِي مَوضِع يُقَال لَهُ: كوثاء؛ فَقيل: إِنَّه كَانَ فِيهِ سبع سِنِين، وَقيل: ثَلَاث عشرَة سنة، وَقيل سبع عشرَة سنة، ثمَّ إِنَّه لما شب، قَالَ لأمه: من رَبِّي؟ فَقَالَت لَهُ: اسْكُتْ، ثمَّ جَاءَت وأخبرت أَبَاهُ مَا قَالَ؛ فجَاء أَبوهُ؛ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: من رَبِّي؟ فَقَالَ: أمك، قَالَ: وَمن رب أُمِّي،؟ قَالَ: أَنا، قَالَ: وَمن رَبك؟ قَالَ: اسْكُتْ، وتركوه، ثمَّ لما جن عَلَيْهِ اللَّيْل خرج من السرب، وَلم يكن رأى شَيْئا قطّ، فَرَأى كوكبا، قيل: هُوَ المُشْتَرِي.
قَالَ السّديّ: كَانَ الْكَوْكَب: زهرَة، وَهِي أَضْوَأ كَوْكَب فِي السَّمَاء. {قَالَ هَذَا رَبِّي} قيل: إِنَّه قَالَ ذَلِك فِي صغره حِين لَا يعبأ بقوله، وَقيل: إِنَّمَا كَانَ مستدلا بِهِ؛ فَقَالَ ذَلِك فِي حَال الِاسْتِدْلَال؛ فَلم يضرّهُ هَذَا القَوْل، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ ضعيفان، وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال مَعْرُوفَة: أَحدهَا: قَالَ قطرب: قَوْله: هَذَا رَبِّي. على وَجه الِاسْتِفْهَام، وَتَقْدِيره أَهَذا رَبِّي؟ وَمثله قَول الشَّاعِر:
(رفوني وَقَالُوا يَا خويلد (لم ترع)
فَقلت وَأنْكرت الْوُجُوه هم هم)
وَإِنَّمَا قَالَ: هم على طَرِيق الِاسْتِفْهَام، وَتَقْدِيره: أهم هم؟ وَأما الزّجاج وَغَيره لم يرْضوا مِنْهُ هَذَا، وَقَالُوا: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب " هَذَا " بِمَعْنى الِاسْتِفْهَام.
وَذكر الزّجاج قَوْلَيْنِ آخَرين فِيهِ: أَحدهمَا: قَالَ: " هَذَا رَبِّي " على زعم قومه، فَإِن قيل: هم كَانُوا يعْبدُونَ الْكَوَاكِب، فَكيف قَالَه على زعمهم؟ قيل: كَانَ مِنْهُم أهل نُجُوم، وَكَانُوا يرَوْنَ أَنه إِلَى الْكَوَاكِب الْأُمُور؛ وَكَأَنَّهُم يعْبدُونَ الْكَوَاكِب.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن القَوْل مُضْمر فِيهِ، وَتَقْدِيره: يَقُولُونَ: هَذَا رَبِّي.