{أنزل على الْملكَيْنِ بِبَابِل هاروت وماروت وَمَا يعلمَانِ من أحد حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا}
وَحكى عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: السحر يحِيل ويمرض وَقد يقتل. وَالسحر يتَحَقَّق وجوده على مَذْهَب أهل السّنة ويؤثر، وَلَكِن الْعَمَل بِهِ كفر، وتأثيره مَا ذكرنَا، وَقيل: إِنَّه يُؤثر فِي قلب الْأَعْيَان؛ فَيجْعَل الآدمى على صُورَة الْحمار، وَالْحمار على صُورَة الْكَلْب. وَالأَصَح أَنه يخيل ذَلِك كَمَا بَينا.
وَقد سحر رَسُول الله فأثر فِيهِ؛ روى: " أَن لبيد بن أعصم الْيَهُودِيّ سحر النَّبِي حَتَّى كَانَ يخيل إِلَيْهِ أَنه يفعل الشَّيْء وَلَا يَفْعَله، فأطلعه الله عَلَيْهِ، فَأمر بِهِ فاستخرج مِنْهُ بِئْر ذِي أروان وَكَانَ عَلَيْهِ إِحْدَى عشرَة عقدَة؛ فَأنْزل الله تَعَالَى عَلَيْهِ المعوذتين؛ إِحْدَى عشرَة آيَة، فَكلما قَرَأَ آيَة انْحَلَّت عقدَة، حَتَّى إِذا انْحَلَّت العقد فَكَأَنَّمَا أنشط من عقال ".
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أنزل على الْملكَيْنِ} قرىء على النَّفْي وَهُوَ محكي عَن عَطِيَّة بن عَوْف، فعلى هَذَا فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير، تَقْدِيره: وَمَا كفر سُلَيْمَان، وَمَا أنزل على الْملكَيْنِ بِبَابِل هاروت وماروت وَلَكِن الشَّيَاطِين كفرُوا، يعلمُونَ النَّاس السحر، وَمَا يعلمَانِ من أحد وَهَذَا قَول غَرِيب.
وَالصَّحِيح: أَن " مَا " بِمَعْنى " الَّذِي "، يَعْنِي: وَالَّذِي أنزل على الْملكَيْنِ.
وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس على " الْملكَيْنِ " بِكَسْر اللَّام وَهُوَ فِي الشواذ. قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: هما كَانَا علجين من علوج بابل، وَلم يَكُونَا ملكَيْنِ.
وَالصَّحِيح أَنَّهُمَا كَانَا ملكَيْنِ وَهُوَ الْقِرَاءَة الْمَعْهُودَة.
والقصة فِي ذَلِك مَا حكى ابْن عمر عَن كَعْب الْأَحْبَار؛ وَهُوَ قَول عَطاء بن أبي رَبَاح، وَجَمَاعَة من الْمُفَسّرين قَالُوا: إِن الْمَلَائِكَة تعجبوا من كَثْرَة معاصي بني آدم، فَقَالَ