{كَبِيرهمْ ألم تعلمُوا أَن أَبَاكُم قد أَخذ عَلَيْكُم موثقًا من الله وَمن قبل مَا فرطتم فِي يُوسُف فَلَنْ أَبْرَح الأَرْض حَتَّى يَأْذَن لي أبي أَو يحكم الله لي وَهُوَ خير}
فَقَالَ: يَا قوم إِن هَذَا الصَّاع ليخبرني بِخَبَر، قَالُوا: وَمَا يُخْبِرك أَيهَا الْملك؟ فَقَالَ: إِنَّه يُخْبِرنِي أَنكُمْ كُنْتُم (اثنى) عشر إخْوَة وأنكم أَخَذْتُم أَخا لكم من أبيكم وألقيتموه فِي الْجب وبعتموه من بعد، قَالَ: فَجعل ينظر بَعضهم إِلَى بعض فَقَامَ بنيامين وَسجد لَهُ، وَقَالَ: صدق صاعك (أَيهَا الْملك) ، سَله: أَحَي أخي أَو لَا؟ ، فَنقرَ الصَّاع ثَانِيًا وَطن فَقَالَ: إِنَّه يَقُول: هُوَ حَيّ، وستراه. فَقَالَ: سَله من سرق الصَّاع؟ فَقَالَ: هُوَ غَضْبَان - يَعْنِي الصَّاع - وَيَقُول كَيفَ تَسْأَلنِي وَقد رَأَيْت فِي يَد من كنت؟ ! أوردهُ النقاش وَأَبُو الْحسن بن فَارس وَغَيرهمَا، وَالله أعلم.
وَمعنى قَوْله: {فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ} أَي: تيأسوا مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: استيأسوا استيقنوا أَن الْأَخ لَا يرد إِلَيْهِم، وَأنْشد:
(أَقُول لَهُم بِالشعبِ إِذْ يأسرونني ... ألم تيأسوا أَنِّي ابْن فَارس زَهْدَم)
يَعْنِي: ألم تعلمُوا. وَقَوله {خلصوا نجيا} يَعْنِي: انفردوا يتناجون، ويتشاورون فِي أَمر أخيهم، وَمعنى {خلصوا} : أَنه لم يكن مَعَهم غَيرهم. تَقول الْعَرَب: قوم نجى. قَالَ الشَّاعِر:
(حَتَّى إِذا مَا الْقَوْم كَانُوا أنجية ... واختلطت أَحْوَالهم كالأرشية)
وَقَوله: {قَالَ كَبِيرهمْ} قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ يهوذا وَلم يكن أكبرهم فِي السن، وَلَكِن كَانَ فِي الْعقل أكبرهم، وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ شَمْعُون وَكَانَت لَهُ الرِّئَاسَة على إخْوَته، وَقَالَ قَتَادَة: هُوَ الروبيل وَكَانَ أكبرهم فِي السن.
وَقَوله: {ألم تعلمُوا أَن أَبَاكُم قد أَخذ عَلَيْكُم موثقًا من الله} قد بَينا معنى الموثق. وَقَوله: {وَمن قبل مَا فرطتم فِي يُوسُف} يَعْنِي: قصرتم وتركتم عهد أبيكم.