قَوْله تَعَالَى: {واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات} يَعْنِي: أَيَّام منى، وَهِي أَيَّام التَّشْرِيق. قَالَ ابْن عمر: الْأَيَّام المعلومات وَالْأَيَّام المعدودات فِي أَرْبَعَة أَيَّام، فَيوم النَّحْر ويومان بعده هِيَ الْأَيَّام المعلومات، وَثَلَاثَة أَيَّام بعد يَوْم النَّحْر هِيَ الْأَيَّام المعدودات.
والمعدودات المحصيات، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لقلتهن، وَالْمرَاد بِالذكر مِنْهَا هَهُنَا هُوَ التَّكْبِيرَات أدبار الصَّلَوَات.
وَقَوله تَعَالَى: {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} أَرَادَ بِهِ: النَّفر فِي الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام التَّشْرِيق، يَعْنِي: فَمن تعجل بالنفر بِالرُّجُوعِ من منى فِيهِ فَلَا حرج عَلَيْهِ.
وَقَوله تَعَالَى: {وَمن تَأَخّر فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} يَعْنِي: من تَأَخّر بالنفر الثَّانِي فِي الْيَوْم الثَّالِث من أَيَّام التَّشْرِيق فَلَا حرج عَلَيْهِ.
فَإِن قيل: الْآيَة فِيمَن رَجَعَ على إتْمَام الْمَنَاسِك، فَكيف نفى الْحَرج عَنهُ وَهُوَ بِمحل اسْتِحْقَاق الثَّوَاب لَا بِمحل الْحَرج؟ قُلْنَا: قَالَ ابْن مَسْعُود: أَرَادَ بِهِ: من نفى الْحَرج: أَنه رَجَعَ مغفورا لَهُ. وَهَذَا مؤيد بِالْحَدِيثِ، وَمَا روى مَرْفُوعا " من حج هَذَا الْبَيْت وَلم يرْفث وَلم يفسق؛ رَجَعَ كَيَوْم وَلدته أمه ".
وَقَالَ النَّخعِيّ مَعْنَاهُ: فَمن تعجل فَلَا إِثْم عَلَيْهِ بالتعجيل، وَمن تَأَخّر فَلَا إِثْم عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ.
وَفِيه قَول ثَالِث: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك، لِأَن بَعضهم كَانَ يزِيد فِي الْمقَام بمنى على الثَّلَاث تبررا وتقربا؛ فَقَالَ الله تَعَالَى: من رَجَعَ فِي الْيَوْم الثَّانِي أَو الثَّالِث وَلم يزدْ على الثَّلَاث فَلَا حرج عَلَيْهِ. يَعْنِي: فِي ترك الزِّيَادَة.