{والمهاجرين إِلَّا أَن تَفعلُوا إِلَى أوليائكم مَعْرُوفا كَانَ ذَلِك فِي الْكتاب مسطورا (٦) }
وَاخْتلفُوا فِي الْمَرْأَة الَّتِي فَارقهَا النَّبِي قبل الْوَفَاة على ثَلَاثَة أوجه: فأحد الْوُجُوه: أَنَّهَا مُحرمَة أَيْضا، وَالْوَجْه الآخر: أَنَّهَا لَيست بمحرمة، وَالْوَجْه الثَّالِث: أَنَّهَا إِن كَانَ دخل بهَا فَهِيَ مُحرمَة، وَإِن لم يكن دخل بهَا فَلَيْسَتْ بمحرمة.
وَاخْتلف الْوَجْه أَيْضا فِي أَنَّهُنَّ هَل يكن أُمَّهَات الْمُؤْمِنَات، فأحد الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُنَّ أُمَّهَات الْمُؤْمِنَات كَمَا أَنَّهُنَّ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ، وَالْوَجْه الآخر: انهن أُمَّهَات الرِّجَال دون النِّسَاء، وروى أَن امْرَأَة قَالَت لعَائِشَة: يَا أُمَّاهُ، فَقَالَت: أَنا أم رجالكم دون نِسَائِك.
وَأما أخوة أَزوَاج النَّبِي فليسوا بأخوال الْمُؤمنِينَ، وَكَذَلِكَ أَخَوَات أَزوَاج النَّبِي لستن خالات الْمُؤمنِينَ.
وَقد روى أَنه كَانَت عِنْد الزبير أَسمَاء بنت أبي بكر، فَقَالَت الصَّحَابَة: عِنْد الزبير أُخْت أم الْمُؤمنِينَ، وَلم يَقُولُوا: عِنْده خَالَة الْمُؤمنِينَ.
وَقَوله: {وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله} أَي: أولى بَعضهم بِبَعْض مِيرَاثا فِي حكم الله، وَقد كَانُوا يتوارثون بِالْهِجْرَةِ، فنسخ الله تَعَالَى ذَلِك إِلَى التَّوَارُث بِالْقَرَابَةِ. وروى أَن النَّبِي آخى بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وَكَانَ يَرث بَعضهم بَعْضًا "، ثمَّ نسخ ذَلِك.
وَقَوله: {من الْمُؤمنِينَ والمهاجرين} دَلِيل على أَن الْمُؤمنِينَ لَا يَرث الْكَافِر، وَالْكَافِر لَا يَرث الْمُؤمن.
وَقَوله: {والمهاجرين} دَلِيل على أَن المُهَاجر لَا يَرث من غير الْمُهَاجِرين، وَلَا غير المُهَاجر من المُهَاجر.
وَقَوله: {إِلَّا أَن تَفعلُوا إِلَى أوليائكم مَعْرُوفا} فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: إِلَّا أَن توصوا وَصِيَّة لغير الأقرباء الَّذين هم أهل دينكُمْ، وَحَقِيقَة الْمَعْنى: أَنه نسخ ميراثهم، وَأبقى جَوَاز الْوَصِيَّة، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن المُرَاد من الْآيَة هُوَ الْوَصِيَّة للْكفَّار، فَالْمَعْنى على