{كَانَ ظلوما جهولا (٧٢) ليعذب الله الْمُنَافِقين والمنافقات وَالْمُشْرِكين والمشركات} ودعيت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال إِلَيْهَا فَلم يقربُوا مِنْهَا، وَقَالُوا: لَا نطيق حملهَا، وَجَاء آدم من غير أَن يَدعِي وحرك الصَّخْرَة، وَقَالَ: لَو أمرت بحملها. فَقُلْنَ لَهُ: احْمِلْ، فحملها إِلَى رُكْبَتَيْهِ ثمَّ وَضعهَا وَقَالَ: وَالله لَو أردْت أَن أزداد لزدت فَقُلْنَ: احْمِلْ، فحملها حَتَّى بلغ حقوه ثمَّ وَضعهَا وَقَالَ: وَالله لَو أردْت أَن أزداد لزدت، فَقُلْنَ: احْمِلْ، فحملها حَتَّى وضع على عَاتِقه، وَأَرَادَ أَن يَضَعهَا، فَقَالَ الله تَعَالَى: مَكَانك، فَهِيَ فِي عُنُقك وعنق ذريتك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ عرضهَا على السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال، وَهِي لَا تعقل شَيْئا؟ قُلْنَا: قد بَينا الْجَواب عَن أَمْثَال هَذَا من قبل. وَقَالَ بعض أهل الْعلم: يحْتَمل أَن الله تَعَالَى خلق فِيهَا عقلا وتمييزا حِين عرض الْأَمَانَة عَلَيْهِنَّ حَتَّى أعقلت الْخطاب، وأجابت بِمَا أجابت.
وَأما قَوْله: {فأبين أَن يحملنها وأشفقن مِنْهَا} أَي: لم يقبلُوا حمل الْأَمَانَة وخافوا مِنْهَا.
وَقَوله: {وَحملهَا الْإِنْسَان} يَعْنِي: آدم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَوله: {إِنَّه كَانَ ظلوما جهولا} قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: ظلوما لنَفسِهِ، جهولا بربه، حَكَاهُ أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس. وَالْقَوْل الثَّانِي: ظلوما لنَفسِهِ بِأَكْل الشَّجَرَة، جهولا بعاقبة أمره.
وَعَن جمَاعَة من الْعلمَاء: أَن المُرَاد بالظلوم الجهول هُوَ الْمُنَافِق والمشرك. وَقد حكى هَذَا عَن الْحسن فِي رِوَايَة.
وَالْقَوْل الثَّانِي، فِي أصل الْآيَة أَن المُرَاد من الْعرض على السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال هُوَ الْعرض على أهل السَّمَوَات وَأهل الأَرْض وَأهل الْجبَال وَهُوَ مثل قَوْله: {واسأل الْقرْيَة} أَي: أهل الْقرْيَة.