{وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان (٤٦) فَبِأَي ألاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٧) }
وَقَوله: {خَافَ مقَام ربه} أَي: قِيَامه بَين يَدي ربه للسؤال والحساب، وَيُقَال: هُوَ من قدر على الذَّنب فَذكر ربه فخاف مِنْهُ وَتَركه. وَعَن عَطِيَّة بن قيس: " أَن الْآيَة وَردت فِي الرجل الَّذِي أوصى بنيه، وَقَالَ: إِذا مت فأحرقوني واسحقوني وذروني فِي الرّيح، لعَلي أضلّ الله، فَفَعَلُوا، فأحياه الله تَعَالَى وَقَالَ: لم فعلت ذَلِك؟ قَالَ: مخافتك، فغفر الله لَهُ ". وَهَذَا خبر صَحِيح.
وَعَن الزبير أَن الْآيَة نزلت فِي أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا محكي عَن عَطاء بن أبي رَبَاح. قَالَ الضَّحَّاك: شرب أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ لَبَنًا، ثمَّ سَأَلَ عَنهُ، وَكَانَ من غير وَجهه، فاستقاه، فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة.
وَقَوله: {جنتان} أَي: بُسْتَان. وَيُقَال: بُسْتَان لمسكنه، وبستان لخدمه وحشمه. وَيُقَال: مسكن لَهُ، وبستان لَهُ. وَعَن بَعضهم مَعْنَاهُ: جنَّة عدن، وجنة النَّعيم، وَهَذَا قَول حسن. وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله: {خَافَ مقَام ربه} أَي: هم بالمعصية فَتَركهَا خوفًا من الله تَعَالَى.
وَقَالَ الْفراء: الجنتان هَاهُنَا بِمَعْنى الْجنَّة الْوَاحِدَة، وَقد ورد هَذَا فِي الشّعْر.
قَالَ الشَّاعِر:
(ومهمهمين فرقدين مرَّتَيْنِ ...
وَأَرَادَ بِهِ الْوَاحِدَة. وَقد أنكر عَلَيْهِ ذَلِك. وَقيل: هَذَا ترك الظَّاهِر، وَإِنَّمَا الجنتان بستانان. وَفِي الْخَبَر الْمَشْهُور أَن النَّبِي قَالَ: " جنتان من ذهب آنيتهما وَمَا فيهمَا، وجنتان من فضَّة آنيتهما وَمَا فيهمَا " رَوَاهُ أَبُو مُوسَى.