ولما كانت هذه الأشياء موهبية لا مكتسبة، قال عليه الصلاة والسلام: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " تنبيهاً أن الفخر لا يستحق إلا بالمكسوب دون الموهوب، ونحو هذه الآية في تفضيل بعض الأنبياء على بعض قوله: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}.
وهذا حكم في الملائكة بقوله: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}، وقوله: {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} قيل إشارة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الله،
فإن قيل: ولمَ لَمْ يصرح بذكره أو بوصفه، كما فعل بموسى وعيسى؟ قيل: تقدم أن مورد كلام الله تعالى مورد خطاب الناس فيما بينهم، ولما كان المستحسن في بعض المواضع أن يذكر الممدوح المخاطب تعريضاً، فيكون أبلغ من التصريح لما جرى من عادتهم أن مدح المواجهة هجاء، والثناء في الوجه قبيح، وتارة لأن الإطراء قد يدعو إلى الغفلة، وتارة لكون الممدوح بذلك المدح مستغني به عن ذكره كما قال الشاعر:
وإني في بنى ثنائِكَ جاهداً ..
.
وقدْ علمتْ أضعافَ ذاَكَ الْخلائِقُ
كمنْ قَالَ إن الثلجَ أبْيضُ باردُ ..
.
وأنًَّ شهاب النارِ أحمُر حارقُ
وَهَذَا وهَذَاَ بينانِ كلاهُمَا ..
.
لمِنْ هُو رائِي ولمنْ هُو ذَائقُ
وروح القدس إشارة إلى ما خص به عيسى مما كان يحي به الموتى ملكاً، أو قوة، أو اسماً من أسمائه أو علماً، وقد فسر بكل ذلك، وسمي جبريل - عليه السلام - روح القدس، والروح الأمين في قوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ} وفي قوله: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ}.