" اللام " في قوله القائل " خرجت لأظفر " يقال على وجهين: أحدهما أن المقصود بالخروج: الظفر والثاني: أن الحاصل منه الظفر، لا أنه قصد به، وعلى ذلك قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} فقوله: هدى للمتقين: تنبيه على حصول الهدى لهم، وإن كان القصد لهم ولغيرهم.
وطرقة ثالثة - إذا تؤملت تصور عنها جواب مسائل كثيرة في القرآن - وهو أن الله تعالى جعل لنا طبين طبا بدنياً، وطباً دينياً.
وكل واحدٍ منهما ضربان: أحدهما: إعادة الصحة.
والآخر: حفظ الصحة.
قد أجرى العادة أن الذي يحفظ به الصحة غير الذي يعاد به الصحة أما في الطب البدني: فالذي يعاد به الصحة العقاقير والأدوية.
والذي يحفظ به الصحة فالغذاء والأطعمة، وأما في الطب الديني فالذي يعاد به الصحة صقل العقل واستعماله في تدبر الدلالات، وتعرف المعجزات، ومعرفة النبوات.
والذي يحفظ به الصحة: تدبر الكتاب المنزل، وتتبع سنن النبي المرسل.
فكما أن من لم يستفد الصحة في الطب البدني، إذا تغذى، كان ذلك ضرراً عليه، ومتى أعاد صحته كان تناول الغداء عائداً بنفع إليه، كذا من لم يستفد صحة عقله بتدبر الدلالات كان القرآن ضرراً عليه، ومتى استعمل ذلك وتهذب فيه، جلب بالاستماع إلى القرآن نفعاً إليه.
وعلى ذلك قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًاء} وقوله: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} إلى قوله: {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} وأما التقوى فهو: جعل النفس في وقاية مما يخاف.
هذا حقيقته.
ثم يسمى تارة " الخوف " التقوى.
والتقى: خوفاً على تسمية المقتضي باسم المقتضي والمقتضي باسم المقتضي وفي التعارف: حفظ النفس عن كل ما يؤثم.
ولها منازل: الأول: ترك المحظور.
وذلك لا يتم إلا بترك بعض المباح مما يليه.
ولذلك قال عليه السلام " من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه " وقيل: من