الاختصار مع وضوح المعنى، وأول الآية، (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) ، والأصل يكذبوك، فوضع الماضي - وهو أخف - موضع المستقبل - وهو أثقل - وبنى الفعل
للمجهول، ولم يسم فاعله - مع العلم به - تخفيفاً، كذلك جعل آخر الكلام كأوله في الاختصار، مع وضوح المعنى.
قوله: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا) .
قرىء بالياء والتاء (١) : فمن قرأ بالتاء جعل الذين يفرحون المفعول الأول.
وفي المفعول الثاني قولان:
أحدهما: أنه مضمر، أي فائزين، وقيل: لما طال الكلام أعاد (فلا تحسبنهم) ، والفاء زائدة، و (بِمَفَازَةٍ) المفعول الثاني.
قوله: (مُنَادِيًا) .
أي نداءَ منادٍ، لا حاجةَ إلى هذا الإضمار، لأن "سَمِعَ" يتعدى
لمفعولين، أحدهما: جسم، والآخر: صوت: نحو، سمعت خالداً حديثاً.
وسمعت زيداً يقرأ، كذلك الآية، فإن المنادي محمد - صلى الله عليه وسلم - و (يُنَادِي) جارٍ مَجرى الصوت، وقيل: المنادي، القرآن، فيكون ينادي مجازاً.
قوله: (لِلْإِيمَانِ) أي لأجل الإيمان، وقيل: إلى الإِيمان، و "اللام" بمعنى إلى.
قوله: (أَنْ آمِنُوا) قيل: بأن آهوا، وقيل: "أن" هي المفسرة.
قوله: (عَلَى رُسُلِكَ) : أي على ألسنة رسلك.
قوله: (وَقُتِلوا) .
أي قُتِل بعض منهم، و" الواو" لا يقتضي الترتيب، فجاز وقتلوا
وقاتلوا (٢) .
(١) قال العلامة شهاب الدين الدمياطي:
واختلف في (لا يحسبن الذين يفرحون. . . فلا يحسبنهم) الآية ١٨٨ فابن كثير وأبو عمر وبالغيب فيهما وفتح الباء في الأولى وضمها في الثاني وافقهم ابن محيصن واليزيدي والفعل الأول مسند إليه أو غيره والذين مفعول أول والثاني بمفازة أي لا يحسبن الرسول الفرحين ناجين والفعل الثاني مسند إلى ضمير الذين ومن ثمة ضمت الباء لتدل على واو الضمير المحذوفة لسكون النون بعدها فمفعوله الأول والثاني محذوف تقديره كذلك أي فلا يحسبن الفرحون أنفسهم ناجية والفاء عاطفة وقرأ عاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف بتاء الخطاب فيهما وفتح الباء فيهما معا وافقهم الأعمش إسناد فيها للمخاطب والثاني تأكيد للأول والفاء زائدة أي لا تحسبن الفرحين ناجين لا تحسبنهم كذلك وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر بياء الغيب في الأول وتاء الخطاب في الثاني وفتح الموحدة فيهما إسناد للأول إلى الذين والثاني إلى المخاطب وافقهم الحسن وفتح السين في الفعلين ابن عامر وعاصم وحمزة وأبو جعفر. اهـ (إتحاف فضلاء البشر. ص: ٢٣٣: ٢٣٤) .
(٢) واختلف في (وقاتلوا وقتلوا) الآية ١٩٥ وفي التوبة (فيقتلون ويقتلون) الآية ١١١ فحمزة والكسائي وخلف ببناء الأول للمفعول والثاني للفاعل فيهما إما لأن الواو لا تفيد الترتيب أو يحمل ذلك على التوزيع أي منهم من قتل ومنهم من قاتل وافقهم المطوعي والباقون ببناء الأول للفاعل والثاني للمفعول لأن القتال قبل القتل ويقال قتل ثم قتل ومر قريبا تشديد قتلوا لابن كثير وابن عامر. اهـ (إتحاف فضلاء البشر. ص: ٢٣٤) .