قوله: (بِالْغَدَاةِ) .
قرأ ابن عامر: بالغَدْوة، وهو غريب في العربية (١) ، لأن غدوة معرفة لا
يدخلها الألف واللام، فهي ليومك، وأكثرهم على أنها لا تنصرف
كسحر إذا أردت من يومك، وأما الغداة فهي نكرة تعرف بالإضافة أو
بالألف واللام.
قوله: (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ) .
من فتح "أَنَّهُ" جعله بدلاً من الرحمة، ومن كسره جعله حكاية لأن
كتب بمعنى قال، و "مَن" لا يخلو من وجهين:
أحدهما: أن يكون للشرط.
والفاء دخل في الجزاء، والثاني، أن يكون بمعنى الذي وهو رفع بالابتداء.
والفاء دخل في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط، ومن كسر "إِنَّ" فلأن
ما بعده جملة فيها جزاء الشرط، أو جملة هي خبر المبتدأ، ومن فتح فعلى
إضمار مبتدأ تقديره: فالذي له إنه غفور، أو فالأمر إنه غفور.
الغريب: ذهب الزجاج في جماعة، إلى أن (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
بدل من قوله: (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ) فيمن فتحها. وفيه ضعف.
قوله: (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) .
فيه إضمار، وهو سبيل المؤمنين، فاكتفى بذكر أحد الضدين، وقيل:
إذا بانت سبيل المجرمين، فقد بانت سبيل المؤمنين. وفيه إضمار آخر.
عُطف "وَلِتَسْتَبِينَ" عليه، وهو ليظهر الحق.
(١) القراءة متواترة، ومن ثم فلا وجه لهذا الاستغراب.
قال العلامة شهاب الدين الدمياطي:
واختلف في (بِالْغَدَاةِ) الآية ٥٢ هنا والكهف الآية ٢٨ فابن عامر بضم
الغين وإسكان الدال وواو مفتوحة والأشهر أنها معرفة بالعلمية الجنسية كأسامة في الأشخاص فهي غير مصروفة ولا يلتفت إلى من طعن في هذه القراءة بعد تواترها من حيث كونها أعني غدوة علما وضع للتعريف فلا تدخل عليها أل كسائر الأعلام وأما كتابتها بالواو فكالصلوة والزكوة وجوابه أن تنكير غدوة لغة ثابتة حكاها سيبويه والخليل تقول أتيتك غدوة بالتنوين على أن ابن عامر لا يعرف اللحن لأنه عربي والحسن يقرأ بها وهو ممن يستشهد بكلامه فضلا عن قراءته وقرأ الباقون بفتح الغين والدال وبالألف لأن غداة اسم لذلك الوقت ثم دخلت عليها لام التعريف وعن الحسن فتنا بتشديد التاء. اهـ (إتحاف فضلاء البشر. ص: ٢٦٣: ٢٦٤) .