قوله: (فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ)
في "مَا" خمسة أوجه:
وجهان حسنان، ووجهان غريبان، ووجه عجيب.
فالحسن: أن يكون وصفاً لمصدر محذوف تقديره يؤمنون إيمانا قليلاً، فحذف المصدر، وبقي الوصف.
والثاني فبقليل يؤمنون، فحذف الجار وتعدى الفعل إليه بغير الواسطة.
والغريب: أن "مَا" بمعنى "مَن"، أي فقليلا من يؤمنون.
والثاني: "مَا" مع الفعل في تأويل المصدر، أي فقليلا إيمانهم.
وإنما قلت: غريب لأنه لا ناصب لقوله: "قليلاً" في الآية، ومن أضمر كان وصار استغرب.
والعجيب: أن "مَا" للنفي، وتقديره ما يؤمنون قليلاً ولا كثيراً، لأن ما
بعد "مَا" النفي لا يتقدم عليه.
قوله: (مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ) .
أي يصدق التوراة، لأن مجي المخبر به يجعل المخبِر صادقاً، وقيل:
موافق لما معهم، وقيل: يصدق التوراة والإنجيل أنهما من عند الله.
قوله: (يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا)
الجمهور، على أن معناه يستنصرون، وذلك أن اليهود كانوا إذا قاتلوا غلبوا ودعوا الله، وقالوا: اللهم انصرنا على أعدائنا بالنبي الذي وعدتنا أن تبعثه في آخر الزمان، فينصرون.
وقيل: يسألون الله القضاء بينهم وبين عدوهم به، وقيل: معنى (يَسْتَفْتِحُونَ)
يخبرون بصحة أمره.
والغريب: يستعجلون الناس، هل ولد فيهم من هو بصفة محمد - صلى الله عليه وسلم.
(فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ)
"لَمَّا" إذا دخل الماضي يكون ظرفاً، وهو اسم يستدعي جواباً، وإذا دخل المستقبل جزم، وهو حرف وقد يأتي بمعنى إلاّ، وجوابه في الآية مضمر، وهو كفروا به، وجاز إضماره، لأن الثاني يدل عليه، وقيل: أجيب "ولما" و"فلما" بجواب واحد، وهو كفروا به، وقيل: (كَفَرُوا بِهِ) ، جواب لقوله: "وَلَمَّا" ولكن لما أطال الكلام أعاد