وقيل (١): إذا تعلق بالكذب نفعٌ لا فساد معه البتة، وقيدوا ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لإبراهيم ثلاث كذبات أحدها: قوله " فعله كبيرهم "، والثاني: قوله " إني سقيم "، والثالث: قوله لسارة: هي أختي " (٢).
قال بعضهم: ليس ببعيد أن يأذن الله له في ذلك لما في ضِمْنِه من الاحتجاج لإبراهيم كما أذن ليوسف في قوله {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (٧٠)} يوسف: ٧٠ (٣).
وقال بعضهم: إن ذلك على طريق الشرط والجزاء، أي: فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون (٤).
وقوله {فَاسْأَلُوهُمْ} اعتراض بينهما وحقه التأخير، فعُدم الشرط وعُدم الجزاء، وحمل بعضهم على الشرط والجزاء من وجه آخر فقال تقديره (٥): إن كانوا آلهة كما تزعمون فهذا الذي هو أكبرهم فعل بها ذلك ليكون وحده إلهاً؛ قال: وبيان ذلك في قوله
{فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣)} وهذا شرط وجزاء آخر. وقيل: خرج هذا مخرج الخبر وليس بخبر وإنما هو إلزام، أي: ما تنكرون أن يكون فعله كبيرهم.
وقال الكسائي (٦) حكاه الثعلبي: أن الوقف على قوله {بَلْ فَعَلَهُ} جائز (٧)، قال: ومعناه فعله (٨)، ويحتمل على هذا الوجه أن يكون أسند الفعل إلى الفتى المذكور في قوله
{قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ (٦٠)}، ويحتمل أيضاً أنه أسند إلى إبراهيم في قوله
(١) في ب: " وهو إذا تعلق ".
(٢) أخرجه مسلم (كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم عليه السلام، ح: ٢٣٧١).
(٣) وهو اختيار الإمام ابن جرير في جامع البيان (١٦/ ٣٠٠).
(٤) انظر: النكت والعيون (٣/ ٤٥١).
(٥) في ب: " فقال تقدير ".
(٦) الكسائي، تنظر ترجمته ص: ٣٣٣
(٧) " جائز " ساقط من ب.
(٨) انظر: الكشف والبيان للثعلبي (٦/ ٢٨٠).