الزجاج: أول الآية في جميع النصارى؛ لأنهم أقل (١) مظاهرة للمشركين من اليهود، وآخرها في المؤمنين منهم (٢).
ثم ذكر سبب ذلك فقال، {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} القَسُّ والقِسِّيس: اسم الكبير الزاهد العالم منهم، وجمع تكسيره: القساسيس من حيث القياس، ومن حيث السماع: القساوسة، بالواو، حكاه الأزهري في «تهذيب اللغة» وأنشد فيه بيتاً (٣).
والقسّ في اللغة: نشر الحديث في النميمة.
والرهبان: جمع راهب؛ وهو الذي يَرْهَبُ اللهَ؛ أي: يخافه.
{وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢)} لا يتعظمون ولا يأنفون من اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- والإيمان به وبما جاء به.
{وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ} يعني القرآن.
{تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} تمتلئ عيونهم دموعاً فتسيل.
{مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} من القرآن وصفة محمد -صلى الله عليه وسلم- والبشارة به في كتابهم.
{يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا} بمحمد -صلى الله عليه وسلم-.
{فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣)} أي: اجعلنا من الذين شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
وقيل: اكتبنا في اللوح المحفوظ معهم.
وقيل: أثبتنا معهم.
ثم إن قومهم عنَّفوهم على إيمانهم؛ فأجابوا بقولهم: {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ}.
وقيل: كأن سائلاً سألهم، والمعنى: لأي شيء نمتنع عن الإيمان بالله (٤).
{وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ} يعني محمداً والقرآن.
(١) في (ب): (لأنهم أول مظاهرة).
(٢) انظر: «معاني القرآن» للزجاج ٢/ ٢٠٠، وقد صدّر الزجاج هذا القول بقوله: (وجائز أن يكون ... ).
(٣) انظر: «تهذيب اللغة» للأزهري ٨/ ٢٠٦، ولكن لم يذكر الأزهري أن الجمع هو: القساسيس. وقد حصل في نسخة (ب) سقط فكان النص كالتالي: ( ... تكسيره القساوسة والقس في اللغة).
(٤) في (ب): (عن الإيمان) فقط، ولفظ الجلالة مثبت في (أ) و (جـ).