{أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} قَسَّموا الكلام فقالوا: هو إما عاقل كاذب، وإما مجنون هاذٍ.
{بَلِ} هذا رد من الله عليهم أي: تركتم القسمة الثالثة وهي: إما صحيح العقل صادق. {الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (٨)} أي: هم في ضلال عاجل في الدنيا وعذاب آجل في العقبى.
وقيل: خاتمة أمرهم العذاب وفاتحته الضلال (١).
وقيل: في عذاب في الآخرة وضلال عن طريق الجنة (٢).
قال القفال: "العذاب والضلال في الدنيا"، قال: "ومعنى العذاب (٣) الفناء والأذى كما تقول: أنا في عذاب من هذا الأمر أي: في مقاساة وشدة" (٤).
قال عبيد الأبرص (٥):
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... طول الحياة له تعذيب (٦).
{أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} كيف هو محيط بهم من كل جهة رموا بأبصارهم إليها فهم محصورون كالموكل بهم في موضع قد حُبِسوا فيه.
{إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} أي: هلا استدلوا بذلك على أنهم في سلطان الله يجري عليهم قدرته كيف شاء وبما شاء من خَسْف، وحَصْب بالحجارة وغيرهما.
(١) انظر: الوسيط للواحدي (٣/ ٤٨٧).
(٢) انظر: النكت والعيون (٤/ ٤٣٤).
(٣) في ب "وقيل: ومعنى العذاب".
(٤) في ب "في مقاسات شدة"، وقول القفال لم أقف عليه بعد البحث.
(٥) عبيد بن الأبرص بن عوف بن جشم الأسدي، شاعر من دهاة الجاهلية وحكمائها، عاصر امرأ القيس، وله معه مناظرات ومناقضات، قتله النعمان بن المنذر في يوم بؤسه.
انظر: طبقات فحول الشعراء (١/ ١٣٨).
(٦) انظر: ديوان عبيد بن الأبرص (٢٣).