{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا} الزَّجَّاج: مَثِّل لهم مثلاً، من قولهم (١): هذه الأشياء على ضرب واحد، أي: مثال واحد، وعندي (٢) من هذا الضرب كثير (٣)

أي: من هذا المثال (٤)، غَيْرُه: بَيِّنْ لهم شَبَهَاً (٥).

وضَرْبُ المثل يتعدي إلى مفعولين، وهما في الآية {مَثَلًا} {أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ}.

وقيل (٦): {أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} بدل من مثل، كأنه قال: اذكر لهم أصحاب القرية أي: خبر أصحاب القرية وهي: أنطاكية بإجماع المفسرين (٧).

(١) في ب: "مثِّل لهم من قولهم"، بغير "مثلاً".
(٢) في ب: "هذه الأشياء على "
(٣) في ب: "كثيره" بالهاء.
(٤) انظر: معاني القرآن للزجاج (٤/ ٢١٢).
(٥) انظر: بحر العلوم للسمرقندي (٣/ ٩٥).
(٦) في ب: "قيل" بغير الواو.
(٧) في ب: "بإجماع من المفسرين" بزيادة "من".
وهذا القول مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعكرمة، كما في جامع البيان لابن جرير (١٩/ ٤١٤)، واختاره الزجاج في معاني القرآن (٤/ ٢١٢)، وقد ضعفه ابن كثير في تفسيره (٣/ ٥٧٧) من وجوه ثلاثة:
الأول: أن ظاهر الآيات يدل على أنهم رسل من عند الله تعالى لا من جهة المسيح عليه السلام، قال تعالى {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} ثم قال {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} ولو كانوا من جهة عيسى عليه السلام لقالوا عبارة تناسب ذلك.

الثاني: أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم، وكانوا أول مدينة آمنت، ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربعة التي فيهن بطاركة وهي: القدس، وأنطاكية، والاسكندرية، ورومية، وعليه فأنطاكية آمنت برسل المسيح، وهي ليست القرية التي أرسل إليهم هؤلاء لأن الله أخبر أنه أهلكهم لما كذبوا الرسل.
الثالث: أن قصة أنطاكية مع الحواريين أصحاب عيسى عليه السلام بعد نزول التوراة، وقد ذكر أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وغير واحد من السلف أن الله بعد إنزاله التوراة لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم بل أمر المؤمنين بقتال المشركين، كما قال تعالى {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى} القصص: ٤٣ وعليه فهذه القرية المذكورة هنا غير أنطاكية، أو تكون مدينة أخرى غير المدينة المعروفة، والله أعلم. أ. هـ بتصرف يسير.