{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (٧٧)} فالخلق كلهم من أولاد نوح، لأن من كان معه في السفينة ماتوا إلا أولاده ونساءهم، حَام، وسَام، ويَافِثْ؛ فسام أبو العرب وفارس والروم، وحَام أبو السودان، ويَافِثْ أبو الترك والخزر ويأجوج ومأجوج، وما هنالك (١).
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (٧٨) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (٧٩)} أي: تركنا عليه أن يقول الآخرون: سلام على نوح في العالمين فارتفع بالحكاية كما قال {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ} النمل: ٥٩.
وقيل: وتركنا عليه ثناءً حسناً وتم الكلام، ثم قال الله {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} (٢).
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠)} أي: سائر المحسنين ننجيهم ونثني عليهم كما نجينا (٣) نوحًا وأثنينا عليه.
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١)} خص الإيمان بالذكر والنبوة أشرف منه بياناً لشَرَفِ المؤمنين (٤) لا لشَرَفِ نوح كما تقول: إن محمداً صلى الله عليه وسلم من بني هاشم.
وقيل: فيه بيان أنه إنما استحق ذلك بإيمانه فضيلة للإيمان وترغيباً فيه (٥).
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (٨٢)} يعني: قومه الكافرين.
{وَإِن مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (٨٣)} الشِّيَعَةُ: الجماعة تتبع سيدهم، واشتقاقها من شَاعه يُشَيِّعُه شيعًا إذا تبعه، قال الشاعر:
قال الخليط غدًا تَرَحُلُنا ... أو شِيعه فمتى تودعنا (٦).
(١) "وما هنالك"، سقط من أ.
(٢) انظر: معاني القرآن للفراء (٢/ ٣٨٨).
(٣) في ب: "كما أنْجَيْنا".
(٤) في ب: "بشرف المؤمنين".
(٥) انظر: الكشاف (٥/ ٢١٥).
(٦) البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه (٤٣٤)، وفيه اختلاف في بعض ألفاظه، حيث يقول:
قال الخليط غداً تَصَدُّعنا ... أو بعده أفلا تشيعنا.
وهي قصيدة يشيِّع فيها فاطمة بنت محمد بن الأشعث، وكان قد فتن بها.