قوله: {أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (٤)}: أي: الذين ينادونك من جملة قومٍ أكثرهم لا يعقلون.
فيه قولان: أحدهما: لا يفعلون فعلَ العقلاء لقلة أناتهم وكثرة تهوُرِهِم؛ فإنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يكنْ يحتجب عن الناس إلاّ في وقتٍ يَخلو فيه بأمر نفسه، فمن أزعجه عن ذلك كان منسوباً إلى قلة العقل، وسوء الأدب.
والثاني: لا يعلمون عِظَمَ حرمتك، وأنَّ الصبرَ خيرٌ لهم (١).
والحُجْرة: المكانُ الذي (٢) يتحجَّره المرءُ لنفسه يمنعُ غيرَه من مشاركته فيه، مشتقةٌ من الحَجْر، وهو الحبس (٣).
{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ}: أي: لو صبروا عمَّا فعلوا وانتظروا خروجك.
{لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}: في دينهم بما ينالون من الثواب في تعظيم نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي دنياهم بما يكون في ذلك من الدلالة على وفور عقلهم باستعمال السَّكينة والوقار.
وقيل: {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}: أبلغَ لهم في نيل ما كانوا (٤) يشفعون فيه من الصَّفح عن الأسرى، ولأطلق لهم أسراهم جميعاً؛ لأن النبَّيَّ - صلى الله عليه وسلم - اعتق النِّصف وفادى النِّصف (٥).
{وَاللَّهُ غَفُورٌ}: أي: مع هذا غفورٌ لمنْ تاب منهم.
{رَحِيمٌ (٥)}: في قَبول التوبة.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ}: أجمع المفسرون على أنها نزلت في الوليد بن عقبة (٦)، بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني المصطلِق مصدِّقاً وكان بينهما إحنةٌ (٧)، فلما
(١) انظر: النكت والعيون (٥/ ٣٨٢)، التسهيل (٤/ ٥٨).
(٢) " الذي " ساقطة من (أ).
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن؛ للقرطبي (١٦/ ٢٩٦)، لسان العرب (٤/ ١٦٥) مادة (حَجَرَ).
(٤) في (أ) " ما كان ".
(٥) انظر: النكت والعيون (٥/ ٣٢٨).
(٦) الوليد بن عقبة بن أبي معيط أبان بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو وهب الأموي، وأخو عثمان بن عفان لأمه، له صحبة قليلة، ورواية يسيرة، من مسلمة الفتح، بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صدقات بني المصطلق، وكان من رجال قريش وشعرائها وكان له خلق ومروءة استعمله عثمان على الكوفة إذ عزل عنها سعداً فحمدوه وقتاً ثم رفعوا عليه فعزله، وولى سعيد بن العاص الكوفة، فلما قتل عثمان نزل البصرة ثم خرج إلى الرقة فنزلها واعتزل علياً ومعاوية ومات بها، وبالرقة قبره. انْظُر تَرْجَمَتَهُ: الاستيعاب (٤/ ١١٤)، سير أعلام النبلاء (٣/ ٤١٢).
(٧) إحنة: الإحنة: الحقد في الصدر، وربما قالوا: حنة. انظر: كتاب العين (٣/ ٣٠٥)، مادة " أحن ".