قوله: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ}: أي: تعبٌ وإعياءٌ، خلافاً لليهود حيث قالوا: استراحَ يومَ السبت، فوضعَ إحدى رجليه على الأخرى في الجلوس (١).
قيل (٢): لما سمّى اللهُ تعالى يومَ (٣) السبت يومَ الراحة ظنُّوه استراحَ فيه، وإنما أراحهم؛ إذْ جعله عيداً لهم.
وأنكر اليهودُ التربيعَ في الجلوس، وزعموا أنه جلس تلك الجلسة يومَ السبت.
{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ}: أي: على ما قالت اليهودُ.
وقيل: فاصبرْ على أذى الكفّار، ولا تستعجلْ عذابَهم.
قيل: منسوخٌ بقوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ} التوبة: ٢٩.
{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}: نزّهه عن الجَلسة والإعياء والراحة والتربيع.
والجمهور على أن المرادَ بالتسبيح هاهنا الصلواتُ الخمسُ، ((وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمرٌ فزِع إلى الصلاة)) (٤).
قوله: {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ}: صلاة الفجر.
{وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩)}: صلاة الظهر والعصر.
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ}: صلاةُ المغرب وصلاةُ العشاء الآخِرة.
قتادة: " قبلَ غروبها: صلاةُ العصر " (٥).
وقيل: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ}: صلاةُ صلاة العشاء الآخِرة.
وقيل: فسبِّح اللهَ (٦) بالليل.
{وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (٤٠)}: قُرئ بالكسر والفتح:
الكسر: مصدر (أدبر)، والفتحُ: جمع دُبُر، والمعنى واحدٌ؛ لأن انقضاءَ الشيء إنما يكونُ بآخره، وآخره إنما يكونُ بانقضائه (٧).
والتقدير: وقت إدبار السجود.
وفيه ثلاثة أقوالٍ:
أحدُها: أنه التسبيح المعروف باللسان أعقابَ الصلوات.
وقيل: هو النوافلُ بعدَ المفروضات بعد كلّ صلاةٍ مكتوبةٍ ركعتان. والظاهر يدلُّ على هذا، والأولى اتّباع الجمهور.
وقيل: هي (٨) الركعتان بعدَ صلاة المغرب.
ورُويَ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {أَدْبَارَ السُّجُودِ}: ركعتان بعدَ صلاة المغرب، {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} الطور: ٤٩: ركعتان قبلَ صلاة الفجر)) (٩).
{وَاسْتَمِعْ}: السَّمعُ (١٠) إدراك المسموع، والاستماعُ: طلب إدراك المسموع بالإصغاء إليه.
{يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ} أي: صفة: {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ}، فحُذف المضافُ، وهو مفعولٌ به، وليس بظرفٍ، وعُدِّيَ إليه الاستماعُ من غير (إلى)، واللاّم كقوله: {يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ}، الزمر: ١٨.
المفضَّلُ: " {يَوْمَ يُنَادِ} ظرفٌ للاستماع " (١١)، والمعنى: كأنكَ به، من صِدْق الوعد وقُرب الوقت " (١٢).
والمنادِي: إسرافيلُ، والنِّداءُ نفخُه.
وقيل: المنادِي: هو الله تعالى، وسُمِّيَ نداءً من حيث إنه جعله علَماً للخروج والحشر، وإنما يقعُ ذلك بالنِّداء، كأذان المؤذِّن، وعلاماتِ الرحيل في العساكر، وقيل: هو النِّداءُ حقيقةً.
{مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (٤١)}: هو صخرةُ بيتِ المقدِس، وهي أقربُ الأرض من السماء بثمانية عشر ميلاً، وموضعها وسط الأرض، يقفُ عليها (١٣) ملَكٌ ويضعُ إصبعيه في أُذنيه، ويُنادي: أيتها العِظامُ النَّخِرةُ، والأوصالُ الباليةُ، واللُّحوم المتمزقة، والشُّعور المتفرِّقة، قومي إلى مُحاسبة رب العِزّة (١٤).
وسُمِّيَ قريباً؛ لأنه يُسمعهم جميعاً، ولا يبعُدُ أحدٌ منه.
(١) انظر: جامع البيان (٢٦/ ١٧٨)، تفسير السمرقندي (٣/ ٣٢٢)، النكت والعيون (٥/ ٣٥٦).
(٢) في (أ) " قيل ".
(٣) " يوم " ساقطة من (ب).
(٤) أخرجه أبو داود في سننه، في كتاب الصلاة، باب: وقت قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - من الليل، برقم (١٣١٩)، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (٥/ ٣٨٨)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: إسناده ضعيف ".
والحديث حسَّنه الألباني في صحيح الجامع (٢/ ٨٥٨)، برقم (٤٧٠٣).
(٥) انظر: جامع البيان (١٦/ ٢٣٤).
(٦) في (أ) " تسبيح الله ".
(٧) قرأ ابن كثير ونافع وحمزة {وَإِدْبَارَ السُّجُودِ} بكسر الألف، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم والكسائي {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} بفتح الألف انظر: جامع البيان (٢٦/ ١٨٢)، السبعة (ص: ٦٠٧)، معاني القراءات (ص: ٤٦٠).
(٨) " هي " ساقطة من (أ).
(٩) أخرجه الحاكم في مستدركه (١/ ٣٢٠) في كتاب صلوات التطوع عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، وقال الحاكم: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، وخالفه الذهبي بقوله: " رَشْدين ضَعَّفه أبو زرعة والدارقطني "، والحديث ضعَّفه الألباني أيضاً في ضعيف الجامع (ص: ٤٦٤)، برقم (٣١٦٥).
(١٠) " السمع " ساقط من (أ).
(١١) انظر: غرائب التفسير (٢/ ١١٣٥).
(١٢) في (ب) " الوعد ".
(١٣) في (أ) " عليه ".
(١٤) انظر: تفسير مقاتل (٣/ ٢٧٤)، جامع البيان (٢٦/ ١٨٣)، تفسير القرآن العظيم (٤/ ٢٤٧) وهو مروي عن كعب الأحبار.