وقال: والأفق الأعلى فوقَ السماوات السبع، يعنى: العرش، ثم دنا من محمدٍ فتدلى (١).
و {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ}: عبارةٌ عن قُرب المنزلة والمكانة، لا عن المنزل والمكان (٢).
وعلى الوجه الذي ذكرتُ عبارةُ: عن قربٍ ليس وراءه قرب، تعالى الله عن المنزل والمكان والاجتماع والافتراق.
فأوحى إلى عبده محمدٍ ما أوحى وتكلم معه ما تكلّم وأمره ما أمر.
وذَهَبَ بعضهم في الآية إلى تأويل آخر، فقال: {ذُو مِرَّةٍ}: محمد - صلى الله عليه وسلم -، {فَاسْتَوَى}: قام ما به جنونٌ !!، وكان صعِقَ لمَّا رأى جبريلَ في صورته، {وَهُوَ}: أي: محمد {بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى}، {ثُمَّ دَنَا}: محمد {فَتَدَلَّى}: من العرش ومحلِّ القُربة، {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى} اللهُ {إِلَى}: محمد {مَا أَوْحَى} (٣).
وذَهَبَ الفرَّاءُ في قوله: {فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧)}: أي: " فاستوى جبريل ومحمد - عليهما الصَّلاة والسَّلام -، أي: صار كلُّ واحدٍ مساوياً للآخر، فعطف على ضمير المرفوع المتَّصل من غير حائل " (٤).
وهذا غير جائز من البصريين، وقد جاء في الشِعر (٥). والله أعلم.
(١) انظر: تفسير الثعلبي (٩/ ١٣٧)، غرائب التفسير (٢/ ١١٥٢).
(٢) هذا تأويل للعلو، وهو خلاف الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، التي تثبت علوَّ الله على خلقه، وتشمل العلو بأنواعه الثلاثة: علو الذات والمكان، وعلو القدر والمكانة، وعلو القهر والغلَبة، وكذلك مسألة معية الله لخلقه الثابتة بالكتاب والسنة، والتي لا تنافي كون الله تعالى مع خلقه حقيقة وكونه في السماء على عرشه حقيقة. انظر: القواعد المثلى؛ لابن عثيمين (ص: ١٦٨)، صفات الله - عز وجل -؛ للسقَّاف (ص: ٢٣٤).
(٣) انظر: غرائب التفسير (٢/ ١١٥٣)، وكان الأولى من الكرماني - عفا الله عنه - عدم إيراد هذا القول.
(٤) انظر: معاني القرآن (٣/ ٩٥).
(٥) وهو قولهم:
ألم تر أنَّ النَّبْع يُخلقُ عُودُه ... ولا يستوي والخروعُ المتقصِّفُ
فَرَدَّ الخروع على ما في يستوي من ذكر النَّبْع. انظر: معاني القرآن؛ للفرَّاء (٣/ ٩٤)، جامع البيان (٢٧/ ٤٣)، معاني القرآن؛ للزَّجَّاج (٥/ ٥٧).