وقيل: خطابٌ للثقلين في قوله: {أَيُّهَ الثَّقَلَانِ} ، وإنْ تأخّرَ لفظاً.
وقيل: لمّا تقدّم ذكرُ أحدِهما وقرُب ذكرُ الآخَر جاز أنْ يُذكرَ بلفظ التثنية.
قال:
ولا أدري إذا يمّمت أرضاً ... أُريد الخيرَ أيَّهما يَليني
أألخيرُ الذّي أنا ابتغِيته ... أَمِ الشرُّ الذّي لا يأتليني (١)
أي: لا يُقصِّر عنّي.
ويحتمل: أنه ذكرَهما في قوله: خَلَقَ {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ} .
وقيل: خاطب الواحدَ بلفظ التثنية، والمرادُ به الإنسُ، كقوله:
فإنْ تزجُراني يا بنَ عفّانَ انزجِرْ. . . ... وإنْ تَدَعَاني أحمِ أنفاً ممنَّعا (٢) (٣)
وفي تكرار هذه الآية في سورةٍ واحدةٍ أقوالٌ:
أحدها: أنَّه تكرارٌ للتأكيد، والعربُ كما تختار الإيجازَ في مواضع، تختار الإطنابَ في مواضع، منها الخُطبُ والمقاماتُ والمواعظُ.
قال مهلهلُ بنُ ربيعة (٤) يَرثي أخاه كُليباً:
على أنْ ليس عدلاً من كُليبٍ. . . ... . . . إذا طُرد اليتيمُ عن الجزورِ
(١) البيت للمثَقِّب العَبْدي، واسمه مِحْصَن بن ثَعْلبة، وقيل: اسمه عائذ، وقد جاء في المفضليات بلفظ:
وما أدري إذا يمّمت أمراً ... . . . أُريد الخيرَ أيَّهما يَليني
أألخيرُ الذّي أنا ابتغِيته ... أَمِ الشرُّ الذّي هو يبتغيني
انظر: المُفضليات (ص: ٢٨٣)، الشِّعر والشعراء؛ لابن قتيبة (ص: ٢٣٤)، جامع البيان (٢٢/ ١٥١).
(٢) تقدم (ص: ٥٩٤)، وفيه:. . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وإن تدعاني أحم عرضاً ممنعاً.
(٣) انظر: تأويل مشكل القرآن؛ لابن قتيبة، جامع البيان (٢٧/ ١٢٤)، الجامع لأحكام القرآن (١٧/ ١٥٤)، فتح القدير (٥/ ١٨٨).
(٤) هو عديُّ بن ربيعة أخو كُليب وائل الذي هاجت بمقتله حرب بكر وتغلب، وسُمِّي مُهَلهِلاً؛ لأنه هَلْهَلَ الشعرَ، أي أرَّقه، وهو خال امرئ القيس، وجدُّ عمرو بن كلثوم، أبو أمَّه ليلى، وهو أحد الشَّعراء الكذبة انظر: الشِّعر والشِّعراء (ص: ١٦٨).