أصبتِ من شيءٍ مضى أو بقي فهو لك حلالٌ، فضحك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وعرفها، فقال: أنت هند، قالت: أُعْفُ عني ما سلف عفا الله عنكَ (١)، تريد ما صنعت ... بحمزة (٢).
ثم قال: {وَلَا يَزْنِينَ}: فقالت هند: وهل تزني الحرة؟! فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا والله ما تزني الحرة)) (٣)
{وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ}: يريد: وأْدَ البنات، قالت هندٌ: نحن ربيناهم صغاراً وأنتم قتلتموهم كباراً، تريد (٤) يومَ بدر، وأنتم وهم أعلم، فضحك عمر - رضي الله عنه - حتى ... استلقى " (٥).
وفي بعض التفسير: فضحك عمر - رضي الله عنه - حينما قالت هند: وهل تزني الحرة؟! (٦)
{وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ}: فيه أقوال:
أحدها: لا يُلْحِقْنَ بأزواجهن غيرَ أولادهم، وهو على وجهين:
أحدهما: كانت المرأةُ تأتي باللقطة فتضعها بين يديها ورجليها وتقولُ (٧): هذا ولدك ولدته منكَ. وليس الولد له، ولا حملت به.
والثاني: أنْ تحبلَ بالولد من غير زوجها فتُلحقه به (٨).
وقيل: {بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ} عبارةٌ عن اللقطة، {وَأَرْجُلِهِنَّ} عبارة عن الولد من الزنا.
وقيل: البهتان في الآية: الكذبُ والنميمة والمشي بالسِّعاية، يختلقنه من تلقاء أنفسهن.
وقيل: قذف المحصَنين والمحصَنات والكذب على الناس.
وقيل: البهتان: السحر والتمويه (٩).
وروي: أن هنداً قالت: " والله إن البهتانَ لأمر قبيحٌ، وما تأمر إلاّ بالأرشد، ومكارم الأخلاق " (١٠).
وروي أيضاً: " أنها قالت: "أما ولي ضرةٌ، فلا أدع البُهت" (١١).
{وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ}: جميع ما أمر رسولُ - صلى الله عليه وسلم - ونهى عنه معروفٌ يقبله العقلُ ويعرفه ويدعو إليه.
وقيل: أُمرن أنْ لا يعصينه في ترك النَّوح، وخدْش الوجه، وقطع الشعر (١٢).
وروي: " أن هنداً قالت: ما جلسنا هذا المجلس وفي (١٣) أنفسنا أنْ نعصيك في شيءٍ (١٤) (١٥).
{فَبَايِعْهُنَّ}: اضمن لهن الجنةَ بشرط الوفاء بهذه الأشياء إلى الممات.
{وَاسْتَغْفِرْهُ لَهُنَّ اللَّهَ}: عمَّا مضى {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢)}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}: في القوم
قولان:
أحدهما: أنهم اليهود (١٦).
{قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (١٣)}:
فيه وجوه:
أحدها: أنهم وصفوها بغير ما وصفها الله به من: الطعام والشراب والنساء في الجنة، ومن العذاب والنَّكال في النار فصاروا كالكفار الذين أنكروها أصلاً.
وقوله: {مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ}: صفةٌ للكفار، أي: في الحكم كالموتى.
والوجه الثاني (١٧): أنهم يئسوا من ثوابها لِما أتوا في شأن محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - من إنكارهم نعته،
وتغييرهم صفته (١٨)، فصاروا كالكفار الذين يئسوا من رجوع أصحاب القبور إليهم.
الجاحظ: " أي: لا حظَّ لهم (١٩) في الآخرة وإنْ كانوا منها على طمعٍ، كما لاحظَّ لمن
مات كافراً " (٢٠).
وقيل: يئس اليهودُ عن الثواب كما يئس موتى الكفار؛ لأنهم علموا (٢١) بعد موتهم أن لا حظَّ لهم في نعيم الآخرة (٢٢).
(١) في (أ) " عفا الله عمَّا سلف ".
(٢) في (ب) " يريد ما بحمزة ".
(٣) انظر: تفسير مقاتل (٣/ ٣٥٣)، جامع البيان (٢٨/ ٧٨)، تفسير الثعلبي (٩/ ٢٩٧).
(٤) في (ب) " يريد ".
(٥) انظر: تفسير مقاتل (٣/ ٣٥٣) تفسير الثعلبي (٩/ ٢٩٧)، تفسير البغوي (٨/ ١٠١).
(٦) انظر: تفسير مقاتل (٣/ ٣٥٣) تفسير الثعلبي (٩/ ٢٩٧)، النُّكت والعيون (٥/ ٥٢٥).
(٧) في (أ) " فتقول ".
(٨) وهو قول الجمهور على أي الوجهين كان فهو إلحاق وهو محرم. انظر: جامع البيان (٢٨/ ٧٧)، النُّكت والعيون (٥/ ٥٢٥)، تفسير السَّمعاني (٥/ ٤٢١) الجامع لأحكام القرآن، (١٨/ ٦٩).
(٩) انظر: النُّكت والعيون (٥/ ٥٢٥)، زاد المسير (٨/ ٤٣)، الجامع لأحكام القرآن (١٨/ ٦٩).
(١٠) انظر: تفسير مقاتل (٣/ ٣٥٣)، جامع البيان (٢٨/ ٧٨)، تفسير الثعلبي (٩/ ٢٩٧).
(١١) انظر: غرائب التفسير (٢/ ١٢٠٦).
(١٢) انظر: جامع البيان (٢٨/ ٧٨)، النُّكت والعيون (٥/ ٥٢٥).
(١٣) في (ب) " في " بدون واو.
(١٤) انظر: تفسير مقاتل (٣/ ٣٥٣)، جامع البيان (٢٨/ ٧٨)، تفسير الثعلبي (٩/ ٢٩٧).
(١٥) قصة هند بنت عتبة - رضي الله عنها - أوردها مقاتل في تفسيره (٣/ ٣٥٣) وأخرجها أبو يعلى في مسنده (٨/ ١٩٤)، وابن جرير في جامع البيان (٢٨/ ٧٨)، وأوردها الثعلبي في تفسيره (٩/ ٢٩٧)، وابن حجر في الإصابة (٨/ ٣٤٦). وقد أورد ابن كثير رواية ابن جرير في تفسيره، وتعقَّبها بقوله: " وهذا أثر غريب وفي بعضه نكارة، والله أعلم؛ فإنَّ أبا سفيان وامرأته لما أسلما لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخيفهما بل أظهر الصفاء والود لهما، وكذلك كان الأمر من جانبه عليه السلام لهما ". تفسير القرآن العظيم (٤/ ٣٧٨)، والقصة مع ذلك مستفيضة في كتب التفسير والسِّير.
(١٦) وسيأتي القول الثاني في آخر السورة.
(١٧) في (أ) " الوجه الثاني ".
(١٨) في (أ) " وصفه ".
(١٩) " لهم " ساقطة من (ب).
(٢٠) لم أقف عليه.
(٢١) في (ب) " عملوا "، والصواب ما أثبت.
(٢٢) انظر: النُّكت والعيون (٥/ ٥٢٦)، تفسير السَّمعاني (٥/ ٤٢٢)، زاد المسير (٨/ ٤٤).