{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ}: هذا مثلٌ ضربه الله، أي: مَن أراد إطفاءَ نورِ الشمس بفيه، كما يُطفأُ السراجُ، وجد مطلوبَه مستحيلاً، كذلك مَن أراد إبطال ... الحقّ (١).
وقيل: يُريدون إبطالَ نور الله.
وهو القرآن، وقيل: محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: الإسلام، وقيل: حُجج الله (٢).
{بِأَفْوَاهِهِمْ}: بكلامهم وإنكارهم ذلك بلسانهم (٣).
واللاّم في {لِيُطْفِئُوا} بمعنى: (أنْ)، عند بعض المفسرين، وعند بعضهم زائدةٌ (٤)، و (أنْ) مقدَّر بعده (٥)، وقيل: محمولٌ على المصدر.
والصحيحُ: أنَّ المفعولَ محذوفٌ، واللاّم للعلّة، والتقديرُ: يُريدون الكذبَ ليُطفئوا ... نورَ الله (٦).
{وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٨)}: قرئَ بالتنوين وبالإضافة، وحقُّ ما وقع الإضافةُ، وحقُّ ما لم يقع التنوينُ (٧).
والمعنى: أتمَّ نورَه، ويُتمّمُه أبداً.
وعن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: " أبطأَ الوحيُ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أربعين يوماً، فقال كعبُ بنُ الأشرف لليهود: أبشِروا، فقد أطفأَ اللهُ نورَ محمدٍ ممّا كان ينزل عليه، وما كان اللهُ ليُتمَّ نورَه. فحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل اللهُ هذه الآيةَ. ثم اتّصل الوحيُ (٨).
{هَوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى}: أي: بالقرآن.
{وَدِينِ الْحَقِّ}: الإسلام. والحقّ صفته، وقيل: الحقُّ هو الله تعالى (٩).
{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩)}: أي: يُظهره (١٠) بالغَلَبَة والاستعلاء، وقد (١١) حصل؛ لأن الإسلامَ ما بقي دينٌ (١٢) إلاّ غلبه وعلاه.
وقيل: ليُظهره بالحُجج والبيِّنات.
وقيل: ليُطلعه على جميع الأديان، وما خالف أهلُها فيه رسلَهم، حتى يكونَ عالماً بذلك (١٣).
وقيل: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} بنزول عيسى - عليه السلام - ودخول أهل الأرض قاطبةً في الإسلام. قاله أبو هريرةَ - رضي الله عنه - (١٤) (١٥).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}: النَّداءُ للمخلِصِين (١٦).
وقيل: عامٌّ كما في أول السورة، وقيل: هذا وإن تأخَّر في التلاوة فهو أولٌ نزولاً (١٧).
{هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ}: استفهامٌ في اللّفظ، إيجابٌ في المعنى (١٨).
والتجارةُ: طلبُ الرِّبح بالمبايعة، والمرادُ بها ها هنا: طاعةُ الله (١٩).
{تُنْجِيكُمْ}: تُخلِّصُكم وتبعِدُكم (٢٠) {مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠)}
وُتنجِّيكم (٢١) - بالتَّشديد - بمعناه (٢٢).
{تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}: تثبتون على إيمانكم.
{وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ} أي الإيمان (٢٣) والجهاد.
{خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١)}.
قيل: {تُؤْمِنُونَ} بدلٌ من التجارة، أي: هي أن تُؤمنوا، فلمّا حُذف (أنْ)، رفع، وكذلك {تُجَاهِدُونَ}.
وعند سيبويه: {تُؤْمِنُونَ} و {تُجَاهِدُونَ}: واقعان موقعَ (آمنوا)، و (جاهدوا).
{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}: مجزومٌ عند الفرّاء؛ لأنه جوابُ الاستفهام (٢٤) (٢٥)، وفيه بعدٌ عند البصريين (٢٦).
وعند سيبويه مجزومٌ على أنه جوابُ الأمر.
(١) حكاه ابن عيسى. انظر: النُّكت والعيون (٥/ ٥٣٠)، الجامع لأحكام القرآن (١٨/ ٨١).
(٢) انظر: جامع البيان (٢٨/ ٨٨)، النُّكت والعيون (٥/ ٥٣٠)، الجامع لأحكام القرآن (١٨/ ٨٢).
(٣) " بلسانهم " ساقطة من (أ)
(٤) في (أ) " عند بعضهم، وعند بعض المفسرين ".
(٥) في (ب) " مُقدرةٌ بعدها ".
(٦) انظر: المحرر الوجيز (٥/ ٣٠٣)، البحر المحيط (١٠/ ١٦٦).
(٧) قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وَاللَّهُ {مُتِمُّ نُورِثُ} مضافاً، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم {مُتِمٌّ نُوْرَهُ} بالتنوين وفتح الرَّاء. السَّبعة (ص: ٦٣٥)، معاني القراءات (ص: ٤٨٩)، الحُجَّة (٦/ ٢٨٩).
(٨) انظر: النُّكت والعيون (٥/ ٥٣٠)، الجامع لأحكام القرآن (١٨/ ٨٢).
(٩) انظر: جامع البيان (١٠/ ١١٦)، المحرر الوجيز (٣/ ٢٦).
(١٠) في (أ) " يُظْهِرُ".
(١١) في (أ) " وقيل ".
(١٢) في النسختين " ديناً ".
(١٣) انظر: النُّكت والعيون (٥/ ٥٣٠)، الجامع لأحكام القرآن (١٨/ ٨٣).
(١٤) انظر: جامع البيان (١٠/ ١١٦)، الجامع لأحكام القرآن (١٨/ ٨٣).
(١٥) قال ابن عطية: " فكأن هذه الفرقة رأت الإظهار على أتم وجوهه، أي حتى لا يبقى معه دين آخر ". ... المحرر الوجيز (٣/ ٢٦).
(١٦) في (أ) " للمُخاطبين ".
(١٧) انظر: جامع البيان (١٠/ ١١٦)، زاد المسير (٨/ ٤٨).
(١٨) انظر: مشكل إعراب القرآن؛ لمكي (٢/ ٧٣١)، البحر المحيط (١٠/ ١٦٧).
(١٩) أي من أيمان وجهاد في سبيل الله كما بينته الآيات.
(٢٠) في (ب) " يُخلصكم ويُبعدكم ".
(٢١) في (ب) " ويُنَجِّيكم ".
(٢٢) قرأ ابن عامر وحده من السَّبعة {تُنَجِّيْكُمْ} مشددة، وقرأ الباقون {تُنْجِيكُمْ} مخفَّفَةً. انظر: السَّبعة (ص: ٦٣٥)، معاني القراءات (ص: ٤٨٩)، الحُجَّة (٦/ ٢٨٩).
(٢٣) في (ب) " ذلك إلى الإيمان ".
(٢٤) في (أ) " للاستفهام ".
(٢٥) انظر: معاني القرآن (ص: ٣/ ١٥٤).
(٢٦) انظر: مشكل إعراب القرآن؛ لمكي (٢/ ٧٣١)، البحر المحيط (١٠/ ١٦٧).