يقويه ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((أول شيء خلقه الله القلم، ثم خلق النون، وهي الدواة، ثم قال له: اكتب ما هو كائن من عملٍ أو أثرٍ أو رزق أو أجل، فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم ختم على القلم، فلم ينطق، ولا ينطق إلى يوم القيامة)) (١).
وجاء في الشِّعر:
إذا ما الشوق برَّح بي إليهم ... ألقتِ النُّونُ بالدَّمعِ السُّجوم (٢)
معاوية بن قرة (٣) مرفوعاً: " إنَّ النُّوح لوحٌ من نور " (٤).
وقيل: النُّون قسمٌ أقسم الله تعالى به.
وقيل: اسم السُّورة كأخواتها (٥).
وقيل: اسم نهر في الجنَّة (٦) (٧).
الضحاك: "وفارسي أنون، فترجم بعضهم عنه فقال: اصنع ما شئت (٨)، والله أعلم.
{وَالْقَلَمِ} أقسم الله بالقلم، أو بربِّ القلم كما سبق، وهو قلم من نور طوله ما بين السَّماء والأرض (٩).
وذهب ابن بحر إلى أنه القلم الذي يكتب به من قوله {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} العلق: (٤)، وهي اليراعة (١٠) المُبَرية (١١).
{وَمَا يَسْطُرُونَ (١)} أي: يكتبون.
وقيل: يعلمون، كناية عن غير سابق، أي يكتبه الحفظة من أفعال بني آدم.
ابن بحر: " ما نكتبه (١٢) نحن من قوله: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)} العلق: (٥)، يعني: الخطَّ والكتابة " (١٣).
وذكر النَّقاش: " {وَمَا يَسْطُرُونَ} أي يسطُّره القلم " (١٤).
وفيه نظرٌ، أو يحمل على أصحاب القلم.
وفي {مَا} قولان:
أحدهما: أنَّه بمعنى الذي.
(١) أورده ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (٤/ ٤٧٢)، وعزاه لابن عساكر، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وأورده كذلك السيوطي في الدُّر المنثور (١٤/ ٦١٩)، وعزاه للحكيم الترمذي، وقال الشوكاني: " قال ابن عدي: "باطل منكر آفته محمد بن وهب الدمشقي "، وقال في الميزان: " صدق ابن عدي في أن هذا الحديث باطل "، وقد أخرجه الدارقطني في الغرائب من طريقه، ورواه ابن عساكر عن أبي هريرة مرفوعاً والحكيم الترمذي والخطيب عن علي مرفوعاً " الفوائد المجموعة (ص: ٤٧٩).
(٢) لم أقف على قائله، وانظر ممن حكاه: تفسير الثعلبي (١٠/ ٦)، المحرر الوجيز (٥/ ٣٤٥)، البحر المحيط (١٠/ ٢٣٤).
(٣) معاوية بن قرة بن إياس بن هلال بن رئاب، الإمام العالم الثبت، أبو إياس المزني البصري والد القاضي إياس، من فقهاء التابعين ودهاة أهل البصرة، روى عن أبيه وعن عدد من الصحابة، وثَّقَة علماء الجرح والتعديل كابن معين، والعجلي، وأبو حاتم، وابن سعد، والنسائي، وقد توفي سنة ثلاث عشر ومائة للهجرة انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ: مشاهير علماء الأمصار (ص: ١١٧)، تهذيب الكمال (٢٨/ ٢١٠)، سير أعلام النبلاء (٥/ ١٥٣).
(٤) أخرجه ابن جرير في جامع البيان (٢٩/ ١٥) قال ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (٤/ ٤٢٨) " وهذا مرسل غريب ".
(٥) انظر: جامع البيان (٢٩/ ١٤)، تفسير الثعلبي (١٠/ ٥)، النُّكت والعيون (٦/ ٥٩)، زاد المسير (٨/ ٩٢).
(٦) انظر: تفسير الثعلبي (١٠/ ٧)، زاد المسير (٨/ ٩٢).
(٧) قال أبو حيَّان: " {ن} حرف من حروف المعجم وما يروى عن ابن عباس ومجاهد أنه اسم الحوت الأعظم الذي عليه الأرضون السبع، وعن ابن عباس أيضاً والحسن وقتادة والضحاك: " أنه اسم الدواة "، وعن معاوية بن قرة يرفعه: ((أنه لوح من نور))، وعن ابن عباس أيضاً: " أنه آخر حرف من حروف الرحمن "، وعن جعفر الصادق: " أنه نهر من أنهار الجنة "، لعله لا يصح شيء من ذلك البحر المحيط (١٠/ ٢٣٤)، وانظر: الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير (ص: ٣٠٥).
(٨) انظر: النُّكت والعيون (٦/ ٦٠)، غرائب التفسير (٢/ ١٢٣٥).
(٩) قوله: قلم من نور، طوله كما بين السماء والأرض، ذكره الماوردي في النكت والعيون (٦/ ٦٠)، ولم يصح وصفه في حديث صحيح بذلك - حسب ما ظهر لي - وجماع ما يقال فيه ما ذكره ابن جرير - رحمه الله: " وأما القلم فهو القلم المعروف، غير أن الذي أقسم به ربنا من الأقلام القلم الذي خلقه الله تعالى ذكره فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة " جامع البيان (٢٩/ ١٦).
(١٠) في (ب) " البراعة ".
(١١) انظر: النُّكت والعيون (٦/ ٦٠)، غرائب التفسير (٢/ ١٢٣٦).
(١٢) في (ب) " ما يكتبه ".
(١٣) انظر: غرائب التفسير (٢/ ١٢٣٦).
(١٤) لم أقف عليه.