أحدها: أنَّها من حقَّ يحِقُّ بالكسر، أي: وجبَ، وصحَّ مجيؤها للجزاء: على الطاعة ثواباً وعلى المعصية عقاباً.
وقيل (١): فيها الثوابُ وحواقُّ الأمور.
والثاني (٢): من حقَّ يحُقُّ بالضم، تقول: حقّقت عليه القضاءَ: أوجبته، والمعنى: توجب لكل أحدٍ ما استحقه.
والثالث: أحقَّ فهو حاقٌّ. وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّ حقّقت القضاءَ وأحققته بمعنىً , فلا حاجةَ إلى أنْ يقال: أفعل فهو فاعل.
والرابع: من حقّه يحُقُّه إذا جعله جديراً وحقيقاً، والشيء محقوق.
والخامس: من حاقّه فحقّه، أي: غلَبة؛ لأنَّها تحقُّ كلّ مُحاقٍّ (٣) في دين الله بالباطل (٤).
و {الْحَاقَّةُ}: رفع بالابتداء. وقيل: بالخبر , والتقدير: هذه {الْحَاقَّةُ}.
{مَا الْحَاقَّةُ (٢)}: أيُّ شيءٍ هي؟ على التعظيم لشأنها والتهويل لها، أي: حقُّها أن يُستفهم (٥) عنها لعظمها.
{مَا} رفعَ بالابتداء , {الْحَاقَّةُ} خبره , والجملة خبر المبتدأ الأوَّل , وهذا قول جميع المفسرين والنحاة (٦).
ويحتمل أن يرتفعَ {الْحَاقَّةُ} الثانية بالابتداء , و {مَا} يرتفعُ بالخبر؛ لأنَّها نكرة وجبَ تقديمها لمكان معنى الاستفهام , كقولك: أين بيتك؟ ومتى الساعة؟ فإذا قلت: ما معك؟ ارتفع بالابتداء؛ إذ ليس لقوله: معك صلاحيّة الابتداء (٧).
وَمَاءٍ {أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣)}: أي شيء أعلمك ما هي؟ ومن أين علمت ذلك؟
وقيل: معناه ليس ذلك من علمك ولا من علم قومك (٨).
و {مَا} رفعَ بالابتداء، وكذلك: {الْحَاقَّةُ} على ما سبق.
والفعل قبله معلّق؛ لأنه بمعنى (٩): ما أعلمك.
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَاد بِالْقَارِعَةِ (٤)}: أي: بـ {الْحَاقَّةُ} فَوَضَع القارعة موضعهما؛ لأنهما من أسماء القيامة.
وفيها أقوال:
أحدها: تَقرَع القلوب بأهوالها.
والثاني: قرعتْ كلّ شيء، أي: كسرته وأهلكته.
وقيل: يقرع الله العباد فيها.
وقيل: من القُرْعة، أي: يقرع بعضهم بعضاً، فيعلو بعضٌ ويسفل بعضٌ.
وقيل: القارعة: العذابُ الذي أهلكَ عاد وثمود به (١٠).
{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥)}: أهلكَ الله قومَ صالح بسبب طغيانهم ومجاوزتهم الحدّ في كفرهم.
وقيل: الطاغية: الصاعقة من قوله: {فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ}، البقرة: ٥٥.
وقيل: الطاغية: الطّاغي، وهو: قُدَار بن سالف عاقر الناقة , والهاء للمبالغة.
وقيل: الفرقة الطاغية، وهم: قدار وأتباعه.
وقيل: الطاغية: الصيحة التي أهلكوا بها.
وقيل: الطاغية: اسمُ البقعة التي أهلكوا فيها , حكاه ابن الهيصم (١١).
(١) في (ب) " قيل ".
(٢) في (ب) " الثاني ".
(٣) أي مجادل، وفي (ب) مجّان، وهو تصحيف.
(٤) انظر: غرائب التفسير (٢/ ١٢٤٣)، الجامع لأحكام القرآن (١٨/ ٢٤٦)، البحر المحيط (١٠/ ٢٥٤).
(٥) في (أ) " يستقيم ". والصواب ما أثبت.
(٦) انظر: معاني القرآن؛ للفراء (٣/ ١٨٠)، جامع البيان (٢٩/ ٤٧)، إعراب القرآن؛ للنَّحَّاس (٥/ ١٤)، البحر المحيط (١٠/ ٢٥٤).
(٧) انظر: غرائب التفسير (٢/ ١٢٤٣)، الجامع لأحكام القرآن (١٨/ ٢٤٦).
(٨) انظر: النُّكت والعيون (٦/ ٧٦)، الجامع لأحكام القرآن (١٨/ ٢٤٦).
(٩) في (ب) " أنه بمعنى ".
(١٠) انظر: جامع البيان (٢٩/ ٤٨)، النُّكت والعيون (٦/ ٧٦)، الجامع لأحكام القرآن (١٨/ ٢٤٦).
(١١) انظر: غرائب التفسير (٢/ ١٢٤٤).