الأشدين كلدة بن الأسيد (١) - وكان يوصف بالقوة -: أنا أكفيكم سبعةَ عشر منهم فاكفوني اثنين، فأنزل الله - تعالى -:
{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً} ... (٢).
{أَصْحَابَ النَّارِ} ها هنا: الخزنة لا أهلها.
وقيل: تقديره وما جعلنا خزنة أصحاب النار، فحذف المضاف , وهذا في المعنى كقوله: {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} التحريم: ٦ فمن ذا الذي يغلب الملائكة , والواحد منهم يأخذ أرواح جميع الخلق , وللواحد منهم قوة الثقلين.
{وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ}: عددهم (٣) في القلة.
{إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا}: بليَّة عليهم وضلالاً حتى قالوا فيهم ما قالوا. وقيل: محنةً ليظهر ما يقول كل واحدٍ (٤) منهم ويعتقدُه.
{لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}: ليوقنوا أنَّ عددُهم تسعة عشر إذا وافق ما في كتبهم.
وقيل: ليتيقَّنوا أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - نبي صادق حين أخبرهم بما يوافقُ كتبهم، وهو أُمِّيٌّ لا يكتب ولا يقرأ من الكتاب.
{وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا}: بإيمانهم بهذا {إِيمَانًا} أي (٥): يقيناً.
{وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ}: هذا توكيد الاستيقان (٦) والزيادة في الإيمان.
{وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}: شَكٌّ.
وقيل: نفاق (٧). والأوّل أظهر في هذه الآية (٨).
{وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا}: ليس في الآية مثل , ولكنهم استغربوا هذا العدد , فقالوا: العلة مثل مضروب , واللام لام كي.
وقيل: لام العاقبة.
وفي تخصيص (٩) خزنة النار بهذا العدد أقول: كلها ضعاف , لكني حكيت لك لأنها لا تخلو من فائدة:
أحدها (١٠): أن جهنم أطباق سبعة , مالك خازن (١١) النار في الطبقة الأولى , وفيها المذنبون من المؤمنين فيرفق بهم إلى أن يخلصهم الله منها , ثم في كل طبقة منها ثلاثة منهم يعذبون أهلها بأنواع العذاب , ومجموعهم تسعة عشر.
الثاني: ... {الرَّحِيمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ بِسْمِ} سبعة عشر حرفاً , عدد الزبانية تسعة عشر ملكاً , فيدفع المؤمن بكل حرفٍ منها واحداً منهم وقد سبقت رحمته غضبه.
(١) أبو الأشدين، ويقال: أبو الأشد، واسمه: كَلَدَة بن أُسَيد بن خَلَفٍ الْجُمَحِيّ، وكان قوياً شديداً، وكان قد بلغ من القوة فيما يزعمون أنه كان يقف على جلد البقرة ويجاذبه عشرة لينتزعوه من تحت قدميه، فيتمزق الجلد ولا يتزحزح عنه، وقد ذكر السهيلي أنه قد دعا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إلى المصارعة، وقال: إن صرعتني آمنت بكَ؛ فصرعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِراراً ولم يؤمن "، وقد مات كافراً. انْظُر: الروض الأنف؛ للسهيلي (٢/ ٧٩)، تفسير القرآن العظيم (٤/ ٤٧٤).
(٢) انظر: تفسير مقاتل (٣/ ٤١٧)، جامع البيان (٢٩/ ١٥٩)، النُّكت والعيون (٦/ ١٤٥)، تفسير البغوي (٨/ ٢٧٠).
(٣) في (ب) " عدتهم ".
(٤) " كلُّ واحدٍ " ساقطة من (ب).
(٥) " أي " ساقطة من (ب).
(٦) في (أ) " توكيد للاستيقان ".
(٧) انظر: تفسير الثعلبي (١٠/ ٧٤)، تفسير البغوي (٨/ ٢٧١)، زاد المسير (٨/ ١٥١).
(٨) قال الحسين بن الفضل: " السُّورة مكيّة، ولم يكن بمكة البتة نفاق؛ فالمرض في هذه الخلاف لا النفاق " ... انظر: تفسير الثعلبي (١٠/ ٧٤).
(٩) في (أ) " في تخصيص " بدون واو.
(١٠) في (ب) " أحديهما ".
(١١) في (ب) " خزنة النار ".