ويغسل أطرافه، في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوة مثل زر الحجلة، ليس بالقصير ولا بالطويل، يلبس الشملة ويجتزي بالبلغة ويركب الحمار ويمشي في الأسواق، معه حرب وقتل وسبي، سيفه على عاتقه لا يبالي من لقي من الناس، معه صلاة لو كانت في قوم نوح ما أهلكوا بالطوفان ولو كانت في عاد ما أهلكوا بالريح ولو كانت في ثمود ما أهلكوا بالصيحة، مولده بمكة ومنشأه بها وبدوّ نبوته بها ودار هجرته بيثرب بين حَرَّةٍ (١) ونخلٍ وسبخة (٢)، هو أمي لا يكتب بيده، هو الحمّاد يحمد الله على كل شدة ورخاء، سلطانه بالشام، صاحبه من الملائكة جبريل عليه السلام.
وحكى الماوردي (٣) وابن عيسى في تفسيرهما: أن في الإنجيل بشارة بالفارقليط في مواضع، منها: يعطيكم فارقليط أجراً يكون معكم الدهر كله، وفيها قول المسيح للحواريين: أنا أذهب وسيأتيكم الفارقليط روح الحق الذي لا يتكلم من قبل نفسه، إنه نذير لجميع الخلق ويخبركم بالأمور المزمعة ويمدحني ويشهد لي.
وأبلغ من هذين الخبرين قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} الفتح: ٢٩ إلى قوله:
{ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ} الآية.
{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} بالإسلام والشرع ومحاسن الأخلاق.
{وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} الكفر والفساد ومساوئ الأخلاق.
{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} أي: ما يستطاب من الرزق ويستلذ، وقيل: ما كان محرماً عليهم في قوله {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ} النساء: ١٦٠ , وقيل: الطيب: الحلال.
(١) الحَرَّةُ: أرضٌ بظاهر المدينة النبوية، بها حجارة سود كبيرة. انظر: «اللسان» (حرر).
(٢) السبخة: هي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تُنْبِت إلا بعض الشجر. انظر: «النهاية» لابن الأثير (سبخ).
(٣) انظر: «النكت والعيون» للماوردي ٢/ ٢٦٨.